إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى..
أ.د أحمد الريسوني
منذ سبعينيات القرن الماضي ظلت “دولة الإمارات العربية المتحدة” تشغل الدول العربية وتُـجيِّش الرأي العام العربي بقضية تسميها “احتلال إيران للجزيرتين الإماراتيتين: طمب الكبرى وطمب الصغرى”. وبناء على ذلك استصدرت عدة مواقف مؤيدة لها ولأحقيتها.. وبناء على ذلك ظلت الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والدول العربية منفردة باستثناء سوريا، ظلت وفية لمقولة الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، ووفية للتضامن العربي مع الشقيقة “دولة الإمارات العربية المتحدة”، وظلت تدين إيران وتطالبها بالانسحاب من الجزر العربية الإماراتية..
في السنوات الأخيرة سكتت الإمارات عن هذه القضية وأغلقت ملفها، وكأنها لم تكن، وراحت تطور علاقاتها السياسية والأمنية والتجارية مع إيران!!
لم يفهم الناس – لا في الداخل ولا في الخارج – ما الذي حصل: هل هي صفقة من صفقات القرن الحادي والعشرين؟ هل هو تنازل حِـبي أخوي؟ هل هو مجرد سكوت مؤقت؟
والحقيقة التي انجلت – أو بدأت تنجلي – أخيرا هي أن الإمارات قد وجدت بديلا يغنيها ويعفيها من مشكلة “طمب الكبرى وطمب الصغرى”، وذلك أنها دخلت وأدخلت المنطقة في حقبة “إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى”..
فكيف كان ذلك؟
يتفق علماء الآثار، والمحللون للأخبار، أن البداية كانت سنة 2011، سنة الربيع العربي، حيث تطوع الناصحون من “حكماء بني إسرائيل” بإقناع آل نهيان بأن هذا الربيع العربي خطر حقيقي عليهم وعلى أنظمتهم، وأن أي نجاح له هو مسمار في نعوشهم، وأن الخطر داهم محدق بهم وبجيرانهم الخليجيين والعرب، وأن ذلك يتطلب تحركات سريعة ومواجهة شاملة، لوأد هذا الخطر في منابته، واقتلاع جذوره وامتداداته..
قال بنو نهيان: نحن دولة صغيرة، وأناس بسطاء، نبيع زيتنا ونحمي بيتنا. وجيشنا لا يكاد يكفينا حتى للداخل الإماراتي، فكيف لنا أن نواجه هذا الربيع العربي، وهذه الشعوبَ الثائرة، وهذه الحركات المتجذرة؟
قال حكماء صهيون: يمكنكم الثقة بنا والتعويل علينا، فعندنا ما يكفي من الخبرات والقدرات، ومن الشبكات والمخططات، ومن الأفكار والأنصار. فقط نحتاج التمويل، المعركة تتطلب تمويلا ضخما وطويل الأمد..
قال بنو نهيان: هذا علينا بالكامل، فلأي شيء تصلح هذه الأموال والثروات إذا لم نستخدمها لحماية أنفسنا وتأمين حكمنا؟
قال حكماء صهيون: إذن اتفقنا؛ التمويل عليكم والباقي علينا.. بفضل الأموال الخليجية، والعبقرية اليهودية، ستكون معنا وتحت تصرفنا دول وجيوش وأحزاب وصحافة.. وكل ما نحتاجه.
قال بنو نهيان: نعم هذا ممتاز، ولكن نحن عندنا مشكلة خاصة تشغلنا، نريد مساعدتكم في حلها أو تجاوزها، لكي ننطلق مرتاحين في مواجهة عدونا المشترك، إنها مشكلة “طمب الكبرى وطمب الصغرى”.. التي تعرفونها جيدا.
قال حكماء صهيون: هذه مشكلة صغيرة، وتقبل التأجيل، بل تستحق النسيان.. ونحن سنقدم لكم بديلا عنها أهمَّ وأعظم؛ وهو أننا سنجعل منكم دولة قوية ضاربة مثل إسرائيل، دولة يحسب لها ألف حساب، بدون طمب كبرى ولا طمب صغرى! وحتى الجزيرة الأخرى، “جزيرة أبو موسى”، يجب أن تنسوها، فمعكم الآن أبناء موسى..
أنتم ستصبحون إسرائيل الصغرى، ونحن إسرائيل الكبرى..
أليس هذا أفضلَ لكم ولنا من “طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى”؟ نحن سنتبناكم تبنيا حقيقيا، وستكونون آمنين تحت رعايتنا وكفالتنا وحمايتنا..
قال بنو نهيان: هذا عظيم، ولكننا نسمع أن التبني في الإسلام لا يجوز، فكيف نقول للناس؟
قال بنو صهيون: دعونا من الإسلام، فهو أصل المشكلة، نحن سنحارب المشاكل من أصلها.. وعلى كل حال نحن لن نتكلم عن تبنينا لكم، بل سنقول: التطبيع معكم..
قال بنو نهيان: نعم، نعم، أنتم أدرى بهذه الأمور.. المهم الأموال موجودة، منا ومن حلفائنا وجيراننا الأوفياء..