مثل كل إخوانهم من مسلمي الإيغور في الصين، وهم أكثر من مليون نسمة تعيش في الإقامة الجبرية.
في معسكرات “تصحيح العقيدة”، أو كما تسميها سلطات بكين معسكرات «إعادة التثقيف».
الإيغور يعانون أكبر جريمة إنسانية وطائفية على وجه الكوكب، في ظل صمت عالمي بلا مثيل، ولا مؤشرات على نهاية للمأساة.
فرخاد واحد منهم.
يعيش فرخاد في حالة من الشك حول مصير زوجته مريم، التي كانت تزور بلدتها في أرتوس بشينجيانغ شمال غرب الصين، وبعثت برسالةٍ مذعورة لفرخاد تقول إنَّ الشرطة اعتقلتها.
ومنهم الطلاب الذين حجزوا تذاكر عودتهم إلى مدينتهم بنهاية الفصل الدراسي، أملاً في عطلةٍ هادئةٍ عقب الامتحانات، وصيفٍ يقضونه في لم شملٍ سعيد مع العائلة في أقصى غرب الصين. وبدلاً من ذلك، سيعلمون أنَّ آباءهم ذهبوا.
وأقاربهم اختفوا.
وجيرانهم فُقِدوا.
وجميعهم محتجزون داخل شبكةٍ مُتوسِّعة من معسكرات الاعتقال التي بُنِيَت لاحتجاز الأقليات العرقية المسلمة.
كتب فرخاد لزوجته: «يا روحي، ماذا يمكنني أن أفعل؟».
ردت عليه مريم: «لا تفعل أي شيء. لا تأتِ للصين. لا تبحث عني»
وتوجه الطلاب إلى السلطات بعدة أسئلة، أولها: أين عائلتي؟
وكان الرد: “إنَّهم في مدرسة تدريب جهَّزتها الحكومة. أقاربكم ليسوا مُجرمين، ولكنَّهم لا يستطيعون مُغادرة تلك المدارس”.
الإيغور Uyghurs يشكلون أقلية في الصين، مع أقليات مسلمة أخرى مثل الكازاخ والهوي والأوزبك، وآخرين محتجزين في شبكةٍ من معسكرات الاحتجاز في شمال غرب مقاطعة شينجيانغ الصينية.
نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، هي الموعد الذي حددته السلطات للانتهاء من “دمج” 1.69 مليون مواطن من الأقلّيات العرقية، في جسد أمة المليار و386 مليون نسمة.
ما هي حكاية المليون مسلم المسجونين في “مدارس الشيوعية الصينية”؟
كيف بدأت المأساة؟
وكيف يعيش الإيغور وإخوانهم فصولها الحزينة، غير الآدمية؟
هذا التقرير يستعرض قصة أكبر اعتقال جماعي لسكان أقلية في العالم في الوقت الراهن، الأسباب والاحتمالات، وعناء الحياة داخل مقاطعة شينجيانغ، أو في المنفى خارجها.
ذهب جين بونين إلى شينجيانغ Xinjiang للكتابة عن مطاعم الصين، ولكن بعد 18 شهراً اكتشف كيف يعيش مسلمو الإيغور في رعب وخوف من الاضطهاد والاعتقال و”إعادة التعليم” الإجبارية. والتعليم هنا لا يعني الرياضيات والأدب بل الهوية والتاريخ الصيني.
يختبرونهم لاحقاً ومن يفشل فإلى السجن وبئس المصير.
روى جين بونين لصحيفة The Guardian كيف دخل مطعم كريم لأولّ مرةٍ بهدف الكتابة عنه ضمن دليل مطاعم الإيغور في «الصين الداخلية»، ذات الطابع التقليدي الصيني.
ونظراً لأنه قضى عقداً في البحث حول الإيغور -وهي أقلية عرقية ذات أغلبية مسلمة تتركز بصورة أساسية في أقصى غرب منطقة شينجيانغ، خارج الصين الداخلية- كان الغرض من مشروعه لإعداد دليل الطعام هذا أن يكون عملاً مسلياً وفرعياً لدراساته اللغوية الاعتيادية.
في مطعم كريم وجد بونين الأرز، بيلاو، وتبادل أطراف حديث مهمة عما يجري للإيغور.
بينما كان مرتادو مطعم كريم يتجاذبون أطراف الحديث في ربيع 2017، كان مسقط رأسهم في شينجيانغ -التي تضم أكثر من 10 ملايين من الإيغور- يخضع بالفعل لما سمّته الدولة الصينية “الهجوم الشامل الذي يستهدف التطرف الديني والإرهاب”.
سأل نفسه: متى وكيف وأين بدأت الأحداث؟
كان السكان الأصليون لمناطق الإيغور الحالية من الشعوب الإندو- إيرانية القديمة، ذوي الملامح القوقازية الذين يمتون بصلة قرابة للإيرانيين والأفغان الحاليين، بينما تبدو الملامح الآسيوية الناتجة من تدفق الدماء التركية على الإيغور واضحة.
هم شعوب تركية، واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية. يتركزون في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم، والتي تعرف باسم شينجيانغ، على مساحة تعادل 1/6 مساحة الصين، وبعضهم يعيش أيضا في بعض مناطق جنوب وسط الصين، ويدينون بالإسلام.
بعض قبائل الإيغور اعتنقت الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي.
احتلت الصين منطقة “تركستان الشرقية” وضمتها إليها في العام 1949، وأسمتها شينجيانغ، أي الإقليم الجديد.
وبين الصينيين والإيغور حاجز كبير وتاريخي من الدم لا يجف.
تعرض الإيغور لمذبحتين مروعتين على يد الصينيين، الأولى عام 1863، والثانية عام 1949، عندما ألغت الصين الحكم الذاتي لتركستان الشرقية وضمتها إليها بعد قتل مئات الآلاف من المسلمين.
حاجز من الدم، ومن انتفاضات الإيغور المتتالية من أجل الاستقلال.
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كثف النظام الصيني مطاردته للاستقلاليين الإيغور، واستعاد بعضهم من باكستان وكازاخستان وقرغيزستان، مستغلاً ما يسمى “الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب”.
وفي عام 2009، شهد الإقليم احتجاجات جديدة تطالب بالاستقلال عن الصين، سقط فيها أكثر من 200 شخص. ومنذ ذلك الحين والسلطات الصينية تشدد من الإجراءات الأمنية على سكان الإقليم.
وأخذ المسؤولون مسألة الأمن إلى درجات قصوى جديدة بعد أن تولى شي جين بينغ رئاسة الصين في عام 2012، وطالب بإنهاء الهجمات الدامية المتزايدة ضد الصين من قبل الإيغور. امتدت هذه الهجمات إلى مناطق أخرى في الصين، بما في ذلك هجوم وقع في عام 2014، عندما قتل جناة يحملون السكاكين 31 شخصاً بالقرب من محطة قطار. وأصبحت السجون ومعسكرات إعادة التأهيل سلاحاً في حملة الحكومة لقمع الاضطرابات.
وتُحمِّل السلطات الصينية المسؤولية عن العنف بصورة شمولية “لإرهابيين” غير محدَّدين، لكنها تُلمّح بين الفينة والأخرى لحركة تركستان الشرقية الإسلامية، التي نتحدث عنها في السطور التالية.