الدكتور عطية عدلان: الشطط في العلم، والاستنجاد بالتحريض
الدكتور عطية عدلان: الشطط في العلم، والاستنجاد بالتحريض
الدكتور أحمد كافي
الجمعة 22 أبريل 2022
قرر الدكتور الفاضل إرسال رسالة مفتوحة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بجميع أعضائه، يطلب من خلالها اتخاذ موقف صارم من الدكتور أحمد الريسوني على موقفه الذي أعلنه بموافقته للدكتور سعد الدين العثماني في ما عرضه من أفكار بخصوص آيات القتال، وذلك في ندوة علنية حضرها محترم من العلماء وطلبة العلم من سائر الأقطار، وجمهور عريض من المتابعين حيث وصل عددهم إلى ما يزيد على الستة الآلاف وخمسمائة متابع.
فطالب الاتحاد وجميع أعضائه باتخاذ موقف صارم من الدكتور الريسوني على موافقته له في قضيتين اثنتين في نظره.
الأولى وهي رأيه في جهاد الطلب، وهي موضوع الندوة، والتي لم يركز عليها في رسالته.
والثانية الموقف من تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن من مفردات الندوة ولا تم التعريج عليها من طرف المحاضر، وقد اهتبلها فرصة من خلال التركيز عليها.
لقد تساءل الدكتور عطية مطالبا من وجه لهم السؤال بالجواب عن سؤاله: هل هذا هو ما يدين به الاتحاد وأعضاؤه؟ وأعلمنا أنه عند جواب الاتحاد يحق لنا أن نحدد موقفنا منه كأعضاء.
وجواب الاتحاد يترتب عليه في نظره: إما اتخاذ قرار بتأييده، أو كف الشيخ عن هذه الأفكار المزعجة، أو العمل على تنحيته.
وحيث إنني عضو بالاتحاد، وعضو بلجنة الفقه والفتوى فيه، فإنني استجابة لدعوته فضيلته، وطلبه بالإلحاح أن نعبر عن رأينا حتى يسمعه، قلت: سأكتب بالمختصر المفيد رأيي في رسالته.
التجاهل حقك
من حق الدكتور عطية عدلان أن يتجاهل هذا المنبر الذي يلتقي فيه الأفاضل لمناقشة قضية علمية بينهم، يقلبون فيها النظر بحديد أفكارهم، وله الحق كاملا أن يستصغر الهيئة، ويعبر عن استصغاره لها بالتصريح بأن هذه الندوة التي نظمت تحت ما يسمى بـ:” منتدى الريسوني للحوار العلمي”.
لكن ليس من حقك شرعا وأخلاقا ومروءة أن تحرف كلام القائلين عن مواضعه، وتبني عليه ردك وهجومك، لأنك ساعتها سترد على ما تفكر فيه ويعتمل في صدرك لا فيما صرح به المعنيون بالأمر.
فهذه قبيحة لا تليق بأهل العلم وطلبته، أن ينطلقوا من التقويل ذريعة للهجوم على المخالف.
أساء سمعا وردا
لقد قوَّل الدكتور عطية عدلان الدكتور الريسوني ما لم يقله، ففي الوقت الذي فقال فيه الريسوني: إنه يخالف الدكتور العثماني في بعض أفكاره وآرائه في التصرفات النبوية. قال الدكتور عطية عدلان: إن الريسوني موافق للعثماني في آرائه وأفكاره بما في ذلك تصنيفه للتصرفات النبوية.
وإن كان ليس معيبا عندي أن يوافقه أو يخالفه. ولكن المعيب صراحة هو تقويل الرجل وتحميله آراء غيره.
يا رجل، قبيح أتنسب للشيخ هذا القول الذي هو قولك لا قوله، لقد قال الريسوني عن موضوع التصرفات عند العثماني: وكنت أجد نفسي مختلفا معه في اندفاعه وبعض غلوه في تصنيف التصرفات النبوية…الخ.
فعد إلى الشريط فهو بين قريب وفي متناولك.
فمن أين جاء هذا الوهم؟ وهذا التقويل؟
إنه من تمني أن يكون هذا الاتفاق حتى يرد عليهما معا، وحيث لم يكن فقد تخيل وجوده، ولبس عليه أنه كائن.
نعم، وافقه في موضوع الندوة فقال حفظه الله تعالى: يتميز الأخ العزيز الدكتور العثماني باجتهاداته ونظراته العلمية والواقعية، وكنت مرارا أجد نفسي أتفق معه فيما يذهب إليه. وفي هذا الموضوع أجد نفسي متفقا معه جملة وتفصيلا.
الإكراه في القول
وقد بنى عطية عمود فقرات مقاله على موضوع التصرفات النبوية، وأخبرنا أنه ألف في ذلك كتابا في الرد عليه، وأحالنا عليه وعلى مقالاته وردوده. فشكرا لكم على هذا الإخبار. لكن الموضوع الذي اجتمعنا حوله واتخذته سبيلا لردك ورسالتك ليس التصرفات النبوية، وإنما هو آيات القتال في القرآن الكريم.
لقد زعمت زعما، وقررت حكما، ثم انسللت بسرعة البرق من النحت في موضوع الجهاد وجهاد الطلب خاصة، ولم نظفر بعمل محترم تقنعنا بصواب مذهبك، وخطإ مذهب الذي انتقدهم.
وهذا التصرف غريب وعجيب، وهو عندي دليل ظاهر في انعدام الحجة الدامغة. لأنه لا يفهم من الحيدة عن موضوع المذاكرة إلى موضوع لم يكن اجتماعنا ولا مذاكرتنا حوله إلا الرغبة في إقحامنا فيما لم نجتمع عليه. وأن بينك وبين العثماني إحنة قديمة تلتمس لها كل وسيلة.
احترم موازين العلوم الشرعية
استنجد الدكتور عطية في مسألة جهاد الطلب بدعوى الإجماع بوقوعه، وعليه فلن يحفل صاحبنا بإقرار الشيخ له ضمنا، لأن هذا الرأي باطل وبائر وخطير…هكذا قال الدكتور المحترم عطية عدلان.
ويثني بأن من قال بذلك من العلماء المعاصرين لا التفات إليهم وإلى أقوالهم.
وإذن المشكلة ليست في الريسوني أو العثماني، بل في هؤلاء العلماء المعاصرين جميعا الذين أشركتهم في عدم الاعتبار. ولست حريصا على الالتفات إلى أقوالهم، وأن لهم سلف في القول من حقك أن لا تراه، لكن: هل من حقك شرعا أن تتكلم بوثوقية زائدة، وتعطي لنفسك العصمة في الرأي حتى تصف مخالفك الرأي، بأن رأيه باطل وبائر وخطير؟
إن حق العلم علينا وعليك أن تحترم موازينه وأخلاقه عند الخلاف، ولا يجوز لك في مسألة خلافية مهما بلغ قول المخالف عندك درجة عدم الاقتناع به، أن تنكره، ولا أن تهجم عليه. فضلا عن استعمال أساليب الشطط في الحكم: الباطل والبائر والخطير.
فقد كذب
والإجماع الذي تدعيه في هذه المسألة أوهى من بيت العنكبوت دكتورنا الفاضل. فقد وصلت إلى قناعة علمية أن باب الفروع إن لم يكن من المستحيل وجود الإجماع فيه، فإنه قريب من ذلك قربا شديدا. وأنه لا يليق بأهل العلم وطلبته أن يستنجدوا بسيف الإجماع يشهرونه في وجه المخالفين لهم في مسائل الفروع لتكميم أفواههم.
وقد نبه قديما الأئمة الأعلام إلى هذا العطب في العلوم الشرعية، فحذروا من بعض كتب الإجماع، ومن بعض العلماء الذين يحكونه. حتى إن الإمام أحمد وهو مشمئز من هذا العطب القديم قد عبر عنه بالقول: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما أدراه أن الناس لم يختلفوا.
تحريض سيء
هل الاتحاد العالمي كمؤسسة علمية تمنع المنتسبين إليه من التعبير عن أفكارهم؟ وهل إذا عبر أحدنا عن رأيه، سيكون معرضا للمساءلة ممن أزعجتهم تلك الآراء؟
نعم من حق الاتحاد على جميع أعضائه أن لا يخالفوا مقرراته. لكن المسائل العلمية لم نعلم أن الاتحاد قد حشر المنتسبين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وتبيان أفكارهم في الرأي الحق غير البائر ولا الخطير الذي يؤمن بها فضيلة الدكتور عطية عدلان، أو إعمال مسطرة الفصل بناء على هذه المخالفة، وتجييش الأعضاء على ذلك.
وأنا غير خائف من تحريضه وتجييشه على أي سبيل استقرت رسالته، لأني مطمئن غاية الاطمئنان بوجود العقلاء وقد حضروا تلكم الندوة وتابعوا أطوارها، وعبروا عن آرائهم بكل حرية موافقين أو مخالفين أو ساكتين. وانتهت الأمور بود وفرح وسرور بهذا التنوع والثراء. ولم أستفق إلا على انزعاج واحد ممن حضرها، واسمه: الدكتور عطية عدلان.
من جاء بالقانون يقال بالقانون
لقد انتخب الدكتور أحمد الريسوني بطريقة ديمقراطية شهدها الجميع بما فيهم فضيلة الدكتور المستاء اليوم.
وإن القانون الذي قدم أخانا الريسوني للمسؤولية هو نفسه الذي سوف يقدمه لولاية ثانية أو يعفيه منهان وليس كل من انزعج من رأيه أن يزبر رسالة لإقالة فلان أو علان على رأي.
ولا أعلم أن من شروط المسؤولية والبقاء فيها أن نتوافق على رأي واحد في مسألة من المسائل الفقهية، ولا أعلم أن من شروط الانتساب هذا الشرط. فإن كان فتلك فضيحة بالجلاجل.
هون عليك
ستتعب كثيرا يا رجل مع المدرسة المغربية، وستجد نفسك في كل نازلة أو قضية أمام فهم مخالف لفهمك، ونظر مباين لرأيك. لأن مشكلتك أنك تحاكم الناس إلى سقف أفكارك واختياراتك، فتخطؤهم وتخرج قاموس أحكامك الغليظة: باطل، بائر، خطير، مخالف للإجماع…
ولم تستطع ان تبذل جهدا في فهم ما عند الآخرين وإن خالفتهم وخالفوك. وأن هذا الخلاف مما يفرح به العقلاء من الأعلام عبر كل العصور.
لكن مشكلتك ـ من باب النصيحة لك ـ أنك تملك الحقيقة، فتنطلق منها، ولا تعترف لغيرك بحق الرأي الذي يمكن أن يعارضك معارضة مباينة.
ومن جهتي أنا سعيد بالرأي وأهله مهما كان بعيدا عني، ولكن التعصب والشطط وداء العطب القديم، لن يجد منا صوغ الآذان.، ولن يثنينا عن مواجهة الغلو، يا أهل الإسلام لا تغلو في أفكاركم وآرائكم.
بديل البديل
إننا ننتمي إلى مدرسة مغربية نعتز بها، ونعتز بتراث المدرسة المشرقية أيضا، وننتفع بها وندعو لأصحابها، ونتجاهل ما لم يعجبنا فيها.
ننتمي إلى مدرسة شعارها الذي تدندن حوله وتنطلق منه، هو ما عبر عنه العلامة علال الفاسي رحمه الله في كتابه: بديل البديل، وهي تأملات في بيان علاقة الأفكار والآراء عند النخبة في علاقتها مع المؤسسات والهيئات، من حيث إضعاف الحرية العلمية أو تقويتها.
وإن هذه المؤسسات التي تستعديها على حرية العالم يا دكتور عطية، نحن في المغرب مستعدون للتضحية بها إذا كانت ستفقدنا أعز ما يطلب.
وهي مناسبة لك أن تقرأ هذ الكتاب، كي تعرف كيف تفكر المدرسة المغربية حتى لا تجهد نفسك وتتعبها يا سيدي، فتهدأ أعصابك، ولا تصاب بأمراض المتعصبين.
وحب الحصيد
إن كان عندكم يا دكتور ما تفيدنا به من غير شطط ولا استعداء، وبتخلص من آفة امتلاك الحقيقة، فمرحبا بكم وافقت أهل العلم أو خالفتهم. وإن لم يكن إلا مثل ما كتبته وعلى منواله، فـتأكد أن قادمات الأيام ستحرجك عند مضايق الأنظار بين النظار. وأتمنى لك صادقا السداد فيما تكتبه، وأن يجملك ربنا عز وجل بالوسطية والاعتدال، وأن لا يحرمنا والمسلمين معك هذا الخير.
ورمضان مبارك كريم.