الدولة المغربية والتطبيع مع الكيان
أ. محمد الحبيب الدكالي
التطبيع يعني قبل كل شيء الاعتراف القانوني بالدولة الصهيونية، أي إيداع وثائق رسمية لدى الأمم المتحدة ولدى دولة الاحتلال الصهيوني الهدف منه الاعتراف له بوضعية قانونية شرعية بالنسبة للطرف المعترف.. أما التطبيع فهي سلسلة لا تنتهي من الآليات والأدوات والسياسات والبرامج الهدف منها أن يصبح هذا الكيان العنصري الاستعماري طرفا عاديا في العلاقات صباحا ومساء، على مستوى مؤسسات الدولة، والمجتمع، في كل المجالات، كما هو الحال بين أية دولتين عاديتين.
فهل الكيان الصهيوني دولة عادية؟ الجميع يعرف أنها دولة مسخ بكل المعايير القانونية والسكانية والتاريخية، فهل تملك الدولة المغربية الحق في الاعتراف القانوني بهذا الكيان الصهيوني العنصري، والاعتراف له بالصبغة الشرعية بصفته “دولة يهودية”، وهذه هي الصفة العنصرية التي خلعها الكيان على نفسه؟ هذا هو الكيان المطلوب من المغاربة الاعتراف، ولا شيء يمكن أن يغيّر، أبدا، طبيعته الاستعمارية العنصرية الإحلالية. وهو بهذا يكون قد تفوّق في الإجرام على النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا.
لا يتعلق الأمر هنا بتيمور الشرقية أو بدولة في جزر الكاريبي أو بانفصال جزء ما من بلد ما، بل بدولة مجرمة فاقدة للشرعية أصلا، اقتاتت، منذ قامت، على الإجرام والمذابح والتهجير الجماعي والعنصرية، واستمرت على هذا النهج بدون توقف طوال نشأتها، فوجودها أصلا باطل في باطل، وتاريخها بني على الإجرام والعنصرية، وبالتالي على أي أساس تعلن الدولة المغربية، وهي البلد العربي المسلم، الاعتراف بالدولة الصهيونية الفاشية العنصرية؟؟!! واضح أنه لا يوجد ولا يمكن أن يوجد أي أساس تاريخي أو قانوني لأي اعتراف بدولة مجرمة تعيش وتتنفس على الإجرام..
ولأن “العذر أكبر من الزّلّة” كما يقال، تبدو الطريقة التي أعلن بها عن التطبيع بمثابة مقايضة سياسية، والمقايضة السياسية عملة رائجة في السياسة الدولية، لكن المقايضة في هذه الحالة مبنية على ظلم صارخ ومفجع، أي مقايضة الاعتراف بحق المغرب، البديهي، في السيادة على صحرائه، مقابل الإقرار والاعتراف بـ”حق” دولة عنصرية مجرمة بجميع المعايير القانونية، في الوجود واكتساب الشرعية، والإقرار بجميع ما ترتب ويترتب وسيترتب على هذا الوجود من جرايم لا حصر لها.. بل الظلم هنا مركّب وبشع جدا لأنه لا يجوز بالمطلق أن يقبل المغاربة مقايضة مجرد اعتراف طرف ما بحق المغرب في صحرائه، وهو مكسب لا غبار عليه في حد ذاته ونتمنى ألا تلغيه الإدارة الأمريكية القادمة وهو أمر محتمل جدا، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين والاعتراف للعدو الصهيوني بالحق في اغتصابه لأرضه واضطهاده لشعبه..
إن الاعتراف والتطبيع يعني، عمليا وعلى الارض، القبول والموافقة الضمنية بنتائج عقود من سياسات التهويد العنصري الاستيطاني لكل فلسطين وإسقاط حق العودة الذي هو حق مقدس.
الاعتراف بالكيان الصهيوني العنصري، يعني أن المطلوب من المغاربة، أن يتعاملوا بروح الغدر مع إخوانهم الفلسطينيين، باعترافهم بأحقية الصهاينة العنصريين المجرمين ومصافحة أيديهم الملطخة بدماء الفلسطينيين. هذا ببساطة ما يعنيه قبول المغاربة للاعتراف والتطبيع وهذا ما لن يقبله المغاربة أبدا.
أما وقد وقع هذا الإعلان المشؤوم، فإننا مدعوون نحن المغاربة الى اليقظة الدائمة لتحويل التطبيع الى حصار لسياسات الاختراق الصهيوني وإبداع أنماط جديدة من العمل التوعوي لرفع مستويات دعم ومناصرة الشعب المصابر في فلسطين، وهذا هو الطبيعي والأليق بالمغاربة.
نسأل الله العافية والرحمة لأمة الإسلامية المحمدية هذا عصر اشد من عصر مولك الطوائف الاندلوسية.