فرنسا المريضة بعلمانيتها.. علاقتها بفلسفة الأنوار كعلاقة داعش بالإسلام
كتبها: الإعلامي محمد الناسك
29/4/2016
العلمانية علمانيات أو درجات، كما يصنفها عبد الوهاب المسيري، جزئية تمْثُل في فصل الدين عن الدولة، وشاملة تتغلل في مفاصل الحياة لتقدم جوابا عن سؤال المعنى، الذي يؤرق الغرب. وما سلسلة الرسوم المتحركة “ميكي ماوس”، حيث يطارد القط الفئر دون غاية، إلا مظهر من مظاهر العلمانية الشاملة، وجواب عن سؤال المعنى، والهدف من هذه السلسة زرع هذا اللامعنى في عقول النشء.
فرنسا بلغت بها علمانيتها مبلغ المرض، ويبدو أن حالتها مئيوس منها، رغم وجود أكثر من رجل رشيد في فرنسا ينصح لها، وعلى رأسهم Emmanuel Todd، ولكنها لا تحب الناصحين، بل أكثر من هذا تضيق عليهم.
وأنا في طريقي إلى العمل استمعت إلى تقرير للزميل الصديق محمد البقالي عن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الذي أكد فيها ضرورة منع الحجاب في الجامعات الفرنسية، وأثار انتباهي في التقرير قول طالبة مشاركة في يوم الحجاب: “إذا تخرجت سأهاجر من فرنسا”، فهل نحن أمام فوريسكيين، على غرار موريسكيين.
تقرير الزميل البقالي قلّب علي المواجع، فقد ذكرني بسلسلة ممارسات عنصرية تعرضت لها أنا وزوجتي غير مرة في فرنسا، وأخذت على غرار فولتير في عقد مقارنة بين فرنسا وبريطانيا، فرنسا المريضة بعلمانيتها، وبريطاينا السعيدة بتعدديتها الثقافية والدينية.
في مطار شارل دوغول أمعن رجال الشرطة في تفتيش زوجتي بأسلوب استفزازي، ثم طلبوا منها خلع معطفها، فلما رفضت خيروها بين خلعه أو العودة من حيث أتت، فطلبت أن تفتشها شرطية في غرفة، وفي ظل رفضهم وإصرارهم اختارت العودة، حينها سقط في أيديهم، فرضخوا لطلبها وأحضروا لها شرطية من أصل مغربي، ففتشتها بطريقة مهينة. وقعت هذه الحادثة أثناء زيارة علمية في إطار إنجاز بحث أكاديمي.
كان لزاما علي خلال إعداد أطروحة الدكتوراه زيارة دور الأرشيف الفرنسية، وبينما أهم بمعية أحد الأصدقاء بدخول مكتبة الرابطة الإسرائيلية العالمية رن هاتفه فرجع، ولما فرغ من مكالمته وهم بالدخول، سأله رجل أمن عن الغرض من الزيارة، فقال له أريد أن التحق بصديقي، فصاح في وجهه:
Pas d‘Arabes ici”” فحمي الوطيس، وتعالت الأصوات حتى وصلت إلى مسامع رواد المكتبة، فخرجوا مذعورين، واضطررت إلى المغادرة؛ لأني تضايقت من عيون ترمق حركاتي وسكناتي.
كان المسلمون في فرنسا يصلون في أقبية فاتهموا بأنهم يتآمرون تحت الأرض، فأخرجوهم من تحت الأرض إلى قاعات مهجورة، ولما تضيق بهم يضطرون للصلاة على الرصيف، فتعالت أصوات من لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب تندد باحتلال المسلمين للفضاء العام، والحكاية مستمرة، فلما سمح لهم ببناء المساجد أثيرت قضية المئذنة، وهندسة المسجد وموقعه. وهذا كله في إطار المزايدات السياسية، فقد أخبرني صديق آخر أن عمدة سابقا لباريس اتصل خلال حملته الانتخابية بأحد المحسنين، وهو رجل أعمال خليجي، وعرض عليه بناء مسجد في حي تقطنه أغلبية مسلمة والقصد معروف، فلا بأس من استغلال الدين لأغراض سياسية. ولما عرف هذا المحسن نوايا العمدة طوى عنه كشحا.
نزلت في مطار هيثرو بلندن، فوجدت موظفات محجبات في المطار، ورجال شرطة سيخ بعمائم فاقع لونها تسر الناظرين، فتذكرت ما نصح به فولتير أبناء جلدته الذين أعماهم التعصب الديني في كتابه “رسائل حول الإنجليز”.
لاحظت في برنامج الدراسة بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن أن استراحة الغداء يوم الجمعة ساعاتان بدل ساعة، ولم يخطر ببالي إطلاقا أن الإدارة راعت المسلمين في هذا، ولما سألت أحد الزملاء عن مسجد قريب تقام فيه الجمعة فوجئت أنها تقام في الكلية، والخطيب مغربي، ومن أقارب زوجتي.
“رسائل حول الإنجليز” كتبها فولتير خلال مرحلة النفي في بريطانيا؛ فلاحظ المثقف الشاب أن لدى الإنجليز الكثير الذي يمكن لفرنسا أن تتعمله منهم، وأهم ما كان الفرنسيون يحتاجونه في ذلك الوقت التخلص من مرض التعصب الديني، واليوم هم أحوج ما يكون إلى التخلص من التعصب العلماني.
أليس فولتير من فلاسفة الأنوار، وفرنسا تدعي أنها خير من يمثلها، لكن تماما كما تدعي داعش أنها تمثل الإسلام.
المصدر: موقع الأول