المغرب اللامع مغرب ما بعد الحداثة
المغرب اللامع مغرب ما بعد الحداثة
…هل انتهى المغرب من خوض تجربة الحداثة وفرغ من استكمال بناء “المجتمع الحداثي” الذي يتغنى به المسؤولون والسياسيون والثقافيون ليل نهار؟
هل تم رسميا تسجيل المغرب في لائحة الدول الحداثية والمجتمعات الحداثية؟
قبل أن نعرف الجواب عن هذه الأسئلة، تفرض علينا الأحداث سؤالا آخر وهو: هل دخل المغرب اللامع ـ وليس المغرب النافع ـ مرحلة “ما بعد الحداثة” وانخرط في تبعاتها وتداعياتها؟
أحداث كثيرة ومؤشرات عديدة تدلنا على أن تجار الحداثة وحاخاماتها قد انتقلوا فعلا إلى “ما بعد الحداثة“. لقد أدخلوا أتباعهم وضحاياهم وزبناءهم في “ما بعد الحداثة” بكل ما تعنيه من تفكيكية وعدمية وعبثية وشهوانية انتحارية…
– حركة الشذوذ الجنسي تختار مراكش لعقد
مؤتمرها، لولا أن “سبعة رجال ” قد تململوا في قبورهم…
– حركة عبدة الشيطان يعلنون عن أنفسهم
بالدار البيضاء، حيث تم اعتقالهم ثم تسريحهم مع الاعتذار والاحترام…
– حركة الشذوذ الجنسي تدافع عن نفسها
وعن مشروعيتها بتنظيم حفل جنوني بقلب مدينة تطوان، وبالنهار لا بالليل.
بعض المسؤولين الأمنيين الذين يؤمنون
بالقانون بادروا ـ بعد معرفة حقيقة ما يجري ـ إلى اعتقال المعنيين والتحقيق معهم، ولكن قبل أن يجف مداد
المحاضر تأتي التعليمات بالإفراج النهائي عنهم، مع الاعتذار والاحترام دائما.
حركة الاغتصاب والاستغلال الجنسي
للأطفال ماضية على قدم وساق في المدارس، في البيوت ، في الحدائق والفنادق. وفي
الحالات القليلة جدا التي تصل إلى القضاء، ويضطر فيها السادة القضاة إلى النظر في
هذه الملفات القذرة، فإن ظروف التخفيف والتفهم والتسامح، هي ما يقتضيه عصر الحداثة
و”ما بعد الحداثة“.
مهرجانات الموسيقى والرقص ـ وما
يتخللها ـ أصبحت طوفانا لا يبقي ولا يذر: مهرجان الموسيقى الروحية بفاس، مهرجان
“طانجاز” بطنجة، مهرجان الصويرة للموسيقى العالمية، مهرجان
“اكناوة”، وربيع الصابيات بالصويرة أيضا، مهرجان “موازين”
بالرباط وسلا، مهرجان الرباط الدولي، مهرجان العيطة بآسفي، مهرجان “اعبيدات
الرمى” بخريبكة ووادي زم…وهكذا من السعيدية والحسيمة، إلى إفران وصفرو، إلى
أكادير والعيون، مرورا بالثانويات والمعاهد والكليات…
وكأن
الشعب المغربي يعاني من مجاعة موسيقية، موسيقى في المؤسسات، موسيقى في الشواطئ،
موسيقى في الشوارع، موسيقى في الحدائق. وحين يقال “موسيقى” فهو عنوان
مهذب ومختصر تنطوي تحته كل ممارسات الحداثة و”ما بعد الحداثة”: سكر
وحشيش ورقص وزنى وشذوذ جنسي وفكري…
بين يدي الآن نموذج إعلان “مهذب جدا” (والفاهم يفهم)، هذا الإعلان وزع وعلق مؤخرا على نطاق واسع في المؤسسات التعليمية والجامعية بالرباط، يقول:< يعتزم مجلس مقاطعة أكدال الرياض تنظيم حفل موسيقي غنائي راقص… بكل من حي الرياض (الحديقة الموازية لإدارة الجمارك ووزارة السياحة)، وبحي أكدال (ساحة محطة وموقف السيارات أمام ثانوية “ديكارت“)، وذلك بمشاركة طلبة الجامعات والمعاهد والثانويات…<، هكذا، ترقيص التلاميذ والطلبة في الشوارع والساحات العمومية…!!! وما خفي أعظم… والبقية تأتي.
تيار “ما بعد الحداثة” لا
تكمن خطورته في السلوك العبثي الذي يهدد شبابنا وأطفالنا بالسقوط في مهاوي الرذيلة
والتفسخ والانهيار، وإنما الخطورة الحقيقية تكمن في مؤسسات ومخططات، لها مكانتها
ومصالحها السياسية والاقتصادية والإيديولوجية. لذلك أصبحنا نجد اليوم جرائد،
وجمعيات، ومؤلفين وباحثين، كلهم يعملون على التسويق والتشويق، وعلى التطويع
والتطبيع. يدافعون عن حقوق ملكية الجسد، وعن الحق في الاختلاف، ويهاجمون ما يمارسه
المجتمع في حق الشواذ من نبذ وإقصاء ونظرة تحقيرية.
فهاهي “ما بعد الحداثة”
تكتمل عناصرها. ثم ماذا؟!
16/6/2004