في حوار: العلماء والسقف المنخفض
الريسوني لجريدة السبيل:
علماؤنا الرسميون دخلوا تحت سقف منخفض وقصير، إذا جلسوا وَسِعَهم، وإذا وقفوا صدم رؤوسهم
سؤال جريدة السبيل (ضمن ملفها عن المذهب المالكي، عدد: 1/3/2018):
من خلال العديد من الملفات التي تفتح بين الفينة والأخرى، والمتعلقة بفرضية الصلاة والصيام والحجاب وحرمة الربا والقمار والزنا واللواط.. مثلا، نجد أن بعض علماء المؤسسة الرسمية لا يستطيعون البوح بما هو مقرر في المذهب المالكي بخصوص هذه القضايا المحسوم فيها، وذلك بفعل القوانين المقيدة لحرية العلماء من جهة، وسطوة المنابر الإعلامية والحقوقية العلمانية من جهة أخرى.
من وجهة نظركم: ما هو المخرج من هذا الوضع الذي يحول دون تبليغ السادة العلماء لما هو مقرر في المذهب المالكي بخصوص القضايا المطروحة؟
جواب الأستاذ الريسوني: هذه مشكلة، أو ورطة، يعيشها السادة العلماء الرسميون بالمغرب، ونعيشها معهم؛ وهي أنهم لا يستطيعون إصدار فتاوى ومواقف وفق ما هو مقرر في المذهب المالكي، ولا يستطيعون الاجتهاد وفق أصول المذهب وقواعده. بل أكثر من هذا: لا يستطيعون قول ما هم يؤمنون به ويعتقدونه من آراء ومواقف فقهية. وكل ما هو مسموح لهم به، أو مطلوب منهم، هو إصدار الفتاوى التبريرية، والفتاوى المتكيفة والمنسجمة مع المزاج السياسي المعتمد.
باختصار: فعلماؤنا الرسميون دخلوا تحت سقف منخفض وقصير، إذا جلسوا وَسِعَهم ولا إشكال، وإذا وقفوا صدم رؤوسهم. فلذلك صار الجلوس، أو القعود، أفضل وأسلم.
هذه الوضعية تؤدي حتما إلى نتيجتين متلازمتين:
– النتيجة الأولى: الفقدان التدريجي للثقة وللمصداقية المرجعية، لهؤلاء العلماء ولمؤسساتهم وفتاويهم. فتصبح فتاويهم ومواقفُهم وجودُها كعدمها، فهي إما ضئيلة الأثر أو عديمة الأثر في المجتمع. والمثال الأبرز لذلك يتجلى عند البحث عن جواب لهذا السؤال: ما تأثير علمائنا – وهم بالمئات – في معالجة نزعات التطرف والغلو والعنف؟ وما تأثيرهم في كبح نزعات الانحلال والانحراف ومحاربة الإسلام جملة أو تقسيطا؟
– النتيجة الثانية: هي أن وضعية العلماء الرسميين هذه، تؤدي بالناس إلى العزوف عنهم وعن فتاويهم، والبحث عن مصادر بديلة للفتوى ومعرفة الأحكام الشرعية. وحينئذ سيجدون ويتلقَّون الغث والسمين، والسقيم والسليم… وفي النهاية سيتخذون لأنفسهم مرجعيات دينية وفقهية جديدة، قريبة كانت أو بعيدة..
أما الحل والمخرج: فهو في أحد أمرين:
– إما أن يتحرر علماؤنا ويغيروا السقف الذي يصدم رؤوسهم كلما ارتفعت، وأن يقوموا بواجبهم وأمانتهم، وأن يستعيدوا بذلك مصداقيتهم ومكانتهم. وهذا يتطلب وعيا عاليا وإرادة جادة، لدى المسؤولين السياسيين أولا.
– وإما أن تظهر طبقة من العلماء المستقلين، الأوفياء المخلصين لدينهم، ولمذهب بلدهم، لا يقبلون دخول جُحر وزارة الأوقاف، أو يخرجون منه بعدما ضاقوا به، أو لا يتسع لهم أصلا.