الريسوني يحكي ذكريات سياسية
بتاريخ 15/3/2018
الريسوني يحكي ذكريات سياسية..
فيما يلي نص الحوار الذي أجرته أسبوعية (الأيام) مع الدكتور أحمد الريسوني، ونشر ضمن ملف حول “علاقة الإسلاميين بالقصر”، أعده الصحفي محمد كريم بوخصاص، ونشرته في عددها 797 تاريخ 15/3/2018
– ترأستم حركة التوحيد والإصلاح مباشرة بعد الوحدة، كيف كانت علاقتكم بالقصر الملكي، ومتى بدأت العلاقة معه؟
** الوحدة الاندماجية التي أسفرت عن تأسيس “حركة التوحيد والإصلاح” كانت في صيف 1996. وإلى هذا التاريخ وبعده، كان القصر الملكي يمارس أشكالا غير مباشرة من الاستكشاف وجس النبض للحركة الإسلامية ، بعدما بدا أن فصائلها عموما تمضي في نمو وتطور مستمرين.
فمن ذلك أن الحسن الثاني رحمه الله أرسل ينصح جمعية الجماعة الإسلامية بعدم المشاركة في الانتخابات، لا أتذكر في أي سنة، لكن في التسعينيات.
ومن ذلك أن وزير الداخلية ادريس البصري بدأ منذ الثمانينيات إجراء اتصالات حوارية استطلاعية مع الأخ الأستاذ محمد بريش، ثم في التسعينيات مع الأخ الأستاذ المصطفى الرميد. وطبعا كان ذلك بأمر الحسن الثاني.
ثم كُـلف وزير الأوقاف السابق المرحوم عبد الكبير العلوي المدغري، وبإشراف وبمتابعة من الحسن الثاني، بمهمات طليعية نوعية في التعامل مع الحركة الإسلامية وتقريبها وتجريبها. وعلى هذا الأساس كان تنظيم ما سمي بالجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية، التي بدأ انعقادها سنة 1990. وكان يدعى لها كافة الفصائل الإسلامية الظاهرة آنذاك، وكذا شخصيات إسلامية من داخل المغرب وخارجه. وكان المقصود هو التعرف المباشر على هؤلاء الإسلاميين وكيف يفكرون وكيف يحلمون…
ثم سعى وزير الأوقاف كثيرا إلى دمج عناصر من الإسلاميين في بعض مؤسسات الوزارة وأنشطتها.
وعلى هذا الأساس أيضا تحاور أو تفاوض الوزير المدغري مدة طويلة مع الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله. ولكن ذلك انتهى إلى الفشل.
هذا كل ما يحضرني الآن عن هذه المرحلة. وعموما كنا ندرك يومئذ أن وزارة ادريس البصري كانت تعاكس مبادرات الوزير المدغري وتعمل على إفشالها.
– كنتم أول شخصية تنتمي إلى حركة إسلامية تقدم درسا حسنيا أمام العاهل المغربي، حدثنا عن هذه التجربة وكيف جاءت؟
** الدرس الحسني الذي ألقيته أمام الملك كان في رمضان 1999، وقد جاء بمبادرة من الأستاذ حسن أوريد، في غضون اللقاءات التي كان يجريها معي بصفتي يومئذ رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح.. فقد أهديته نسخة من كتابي (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي)، وبعد أن قرأه عبر لي عن ثنائه على الكتاب، وبناء عليه عرض علي فكرة أن يقترحني على جلالة الملك لإلقاء درس حسني رمضاني أمامه، فرحبت باقتراحه وشكرته عليه. ثم أخبرت الإخوة في المكتب التنفيذي للحركة فرحبوا ووافقوا. وبعد أيام جاءني خطاب في الموضوع من وزير الأوقاف، فأجبت عليه بالإيجاب، وحددت موضوع درسي بنفسي، وهو (مقاصد البعثة المحمدية). وهو الدرس الذي ألقيته في أول رمضان من عهد محمد السادس/ دجنبر 1999. فكان هذا هو لقائي الأول والأخير (حتى الآن) مع الملك محمد السادس. أما الحسن الثاني فلم ألقه قط.
– حدثنا عن تفاصيل تلك اللقاءات التي كانت تجمعكم بحسن أوريد بصفته الناطق الرسمي باسم القصر؟
** كان ذلك في بدايات عهد محمد السادس، فبعد تعيين حسن أوريد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، بدأ يتصل بعدد من الهيئات والتنظيمات الإسلامية وغيرها. ففي هذا السياق كنت ألتقي به من حين لآخر في بيته وبدعوة منه. وكنت أصطحب معي نائبي الأول المرحوم الأستاذ عبد بها. وكان أوريد يلتقي في الوقت نفسه بجماعة العدل والإحسان. إلا أنه قطع الاتصال معهم بعد نشر رسالة عبد السلام ياسين (إلى من يهمه الأمر).
كان أوريد في هذه اللقاءات – التي ربما كانت ثلاثة أو أربعة – يشرح لنا بعض المواقف والقرارات الملكية وتوجهاتها الجديدة، وكان أيضا يستطلع آراءنا ومواقفنا، وأحيانا كان يطلب منا تقديم اقتراحات ليرفعها إلى جلالة الملك. وفي غضون هذه اللقاءات تفاجأ حين علم مني بأننا ما زلنا نعتبر جمعية “غير معترف بها” لدى وزارة الداخلية، وأننا لم نتوصل قط منها بالوصل القانوني عن ملف تأسيس جمعيتنا، فوعدنا خيرا. وبعد ذلك بأيام تم الاتصال بنا لمقابلة الوالي السيد محمد الضريف رحمه الله، بصفته مدير الشؤون العامة والولاة أيام الوزير أحمد الميداوي. فذهبت إلى اللقاء برفقة نائبي الثاني الدكتور أحمد العماري، باعتبار أن الأستاذ العماري كان له سابق معرفة مع الضريف، حين كان واليا على فاس. العجيب أن الوالي الضريف عبر لنا عن دهشته – أو هكذا تظاهر – لكون ولاية الرباط لم تسلمنا وصل إيداع الملف كل هذه السنين. ثم اتصل أمامنا بالولاية وطلب منهم تسليمنا الوصل القانوني لجمعيتنا. خرجنا من الوزارة وتوجهنا مباشرة إلى الولاية. وبعد أيام من “سير واجي، وجيب وجيب”، سلمونا وصلا مؤقتا، صلاحيته ستون يوما فقط، على أساس تسليم الوصل النهائي بعد ذلك. لكنهم توقفوا وانقلبوا علينا، وبقي الأمر كذلك إلى سنة 2012، أي إلى أيام حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران.
– علاقة حركة التوحيد والإصلاح بالقصر دخلت نفقا مظلما بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، والحوار الذي أجريتموه مع المجلة الفرنسية، هل انقطع حبل التواصل مع القصر آنذاك؟ وما هي التفاصيل غير المعروفة التي تخصكم سواء لقائكم مع وزير الأوقاف أحمد التوفيق ومحمد الشرقاوي حول الموضوع؟
** لا بد لي أولا أن أقول: إن أحداث 16ماي2003 ما زالت لغزا محيرا، سواء فيمن صنعوها ونفذوها، أو فيمن يقفون وراءها من قريب أو من بعيد. أما الهدف من ورائها فقد ظهر بوضوح، وهو توجيه ضربة قاضية للحركة الإسلامية السلمية المعتدلة بالمغرب، تفضي إلى اجتثاتها.
أعود إلى سؤالك، لأقول: إن الحوار الذي أجراه معي صحفيان من جريدة “أوجوردوي لو ماروك” وترجم ونشر يوم 12 ماي 2003، كان في طريقه إلى أن يمر ويُطوى، رغم ما فيه من أفكار جريئة وجديدة مزعجة. والدليل على ذلك هو أني التقيت في ذلك الصباح (من يوم 12 ماي) بوزير الأوقاف الدكتور أحمد التوفيق بدعوة منه. وبعد إبداء ملاحظاته ومؤاخذاته لي على بعض ما جاء في الحوار، أوضحت له ما أقصده، وأوضحت له كذلك أن سوء الترجمة، وحذف بعض الجمل من كلامي، أدى إلى تحريف وإفساد لبعض المعاني التي ذكرتها في الحوار، علما بأن الصحفيين وعداني بتمكيني من مراجعة الحوار قبل نشره، ولكنهما لم يفعلا ذلك. بعد ذلك اقترح علي الوزير إصدار بيان يتضمن هذه التوضيحات، ففعلت ذلك مباشرة بعد افتراقنا، ونشرت التوضيح بجريدة التجديد عدد 13ماي. وبهذا طوي الموضوع، أو هكذا خيل إلي. لكن فجأة ظهرت 16 ماي، وكان ما كان… فكنت أقول يومها: “نحن حلت بنا 12ماي مضروبة في 16ماي”.
وقد تعرضنا بعد ذلك لحملات استئصالية ظالمة حاقدة، من جهات عديدة مختلفة، لكنها كانت تتكلم لغة موحدة وتصب في مصب واحد، إلى حد أن أحد رموزهم – جمال براوي – كتب مقالا بعنوان: نعم أنا اسئصالي.
– وماذ عن لقائك بالشرقاوي؟
لقائي مع السيد محمد الشرقاوي رحمه الله، وهو أحد رجالات القصر وأصهاره الكبار، جاء بعد حوالي ثلاثة أشهر من 16 ماي. اتصل بي أحد زملائي الجامعيين، فلما التقينا وتحدثنا قليلا، قال لي: لقد تعرضتَ للظلم والتشويه وسوء الفهم، فما رأيك في أن تلتقي مع السي محمد الشرقاوي لتشرح له وجهة نظرك؟ فقلت: مرحبا، لا مانع عندي. قال: إذاً أنا سأرتب لك اللقاء معه. وبعد أكثر من شهر اتصل بي وهو خارج المغرب، وأخبرني بالموعد وترتيباته…
أخذني السائق المكلف إلى إقامة الشرقاوي الصيفية بالصخيرات، فوجدت رجلا في سن والدي أو أكبر، ولكنه متواضع ومؤدب. تحدثنا في موضوع الحوار الصحفي وغيره من شؤون المغرب. والحقيقة أن المذاكرة كانت فكرية ثقافية أكثر منها سياسية. فالرجل واسع الثقافة علمي التفكير.
وأنا أذكر لك فقط بداية اللقاء ونهايته، فهما كافيتان، وهما أهم ما أتذكره.
في البداية فاجأني بالسؤال: أتدري ما هي آخر محاولة قام بها الأدارسة لاستعادة الـمُلك؟ قلت: لا أدري. قال: هي التي قام بها الزعيم أحمد الريسوني في العشرينيات من القرن الماضي. فهمت مقصوده، فقلت له: أما أنا فكل همي وطموحي أن أكون باحثا متخصصا في مقاصد الشريعة.
وبعد جولة من الحديث استوفينا فيها الغرض من اللقاء، قام يودعني وهو يقول لي: للأسف كلامك استغله الأوباش…
– العلاقة اليوم بين القصر والإسلاميين أصبحت محصورة مع حزب العدالة والتنمية، ما موقع الحركة من ذلك؟
** يمكنك أن تقول: الحركة أصبحت لا محل لها من الإعراب السياسي. فالعلاقات والروابط السياسية والأعمال السياسية، تم تفويتها لحزب العدالة والتنمية، ونحن في الحركة رفعنا أيدينا عنها وعن الحزب نفسه. علاقاتنا اليوم أساسا هي مع المجتمع وخدمة المجتمع، دينيا واجتماعيا. وحتى حينما نعبر عن مواقف وآراء في قضايا سياسية، فلكونها قضايا مجتمعية مباشرة. ولذلك فعلاقتنا بالقصر اليوم هي كعلاقة الشعب والمجتمع بالقصر.