القضية الفلسطينية
أ.د أحمد الريسوني في حوار مع وكالة (شمس نيوز الإخبارية)
- التطبيع يطيل عمر الاحتلال والعدوان، ويمده بأسباب الاستقواء والاستعلاء..
- أنصح عشاق التطبيع أن يطبِّعوا مع أشقائهم ومع شعوبهم، ومع علمائهم وذوي الرأي المعتقلين عندهم..
وهذا نص الحوار مع رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
- ما رأي الشريعة الإسلامية وحكم الشرع من تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي؟
• هذه القضية ليست قضية يقال فيها برأي شرعي أو رأي فقهي، وإنما هي داخلة في كليات الشريعة ومحكماتها وقطعياتها ونصوصها المتواترة، التي لا يخالفها ولا ينازع فيها إلا المتلاعبون بالدين..
فالتطبيع مع الكيان الصهيوني هو أولا اعتراف وموافقة على اغتصاب وطن من أوطان المسلمين.
وهو تسليم عملي بالاستيلاء الغاصب على المسجد الأقصى – قبلتنا الأولى – وتسليمٌ فعْلي بما يتعرض له من تخريب وتهويد.
وهو تأييد ودعم– صريح أو ضمني – للعدو في جرائمه وعدوانيته المتواصلة السافرة، في حق البلاد والعباد، منذ حلوله واحتلاله الأرضَ المباركة أرضَ فلسطين.
فهل يمكن لشيء واحد من هذا كله أن تكون فيه وجهة نظر شرعية، ووجهة نظر سياسية استسلامية؟ ومتى كان الانقلاب على محكمات الشرع وأركانه وعزائمه، والركون إلى أهل الظلم والقتل والاغتصاب.. متى كان وجهةَ نظر، في أي ملة، وفي أي أمة؟! نحن اليوم أمام ظاهرة تجسد الانسلاخ من كل القيم، والاستسلام أمام شريعة الإجرام والمجرمين..! هذه هي حقيقة ما يسمى بالتطبيع. - ما خطورة التطبيع على الأمة الإسلامية وفلسطين؟ وهل ما يقع من يصمت على التطبيع بمحظورٍ شرعيٍ، كون الدفاع عن ارض الرباط جزءًا من العقيدة؟
• الخطورة هي أن التطبيع يطيل عمر الاحتلال والعدوان، ويمده بأسباب الاستقواء والاستعلاء، ويمكنه من بسط نفوذه وتحكمه في البلدان التي انخرطت في التطبيع معه وفتحِ الأبواب له.. فالتطبيع عبارة عن شراكة مع العدو في عدوانه، وهو يضاعف الأعباء والخسائر والآلام على الشعب الفلسطيني، المبتلى بجور أعدائه، ثم ابتلي الآن بجور الأشقاء الأشقياء. - ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة من المشايخ (السلاطين) تحاول تبرير وإقناع العامة بأن التطبيع أمر يجيزه الشريعة هل يلحقهم اثم في ذلك؟
• هؤلاء من أعراض وباء الاستبداد والاستعباد وفقدان المناعة.. فهم من لوازم هذه الأمراض ومن آثارها.. ولكن بحكم أنهم يتجرؤون ويتطاولون على حرمة الدين، تحريفا وتوظيفا له، ويشترون به ثمنا قليلا من السحت.. فهم بدون شك أشد إثما وأضل سبيلا ممن يسوِّغون التطبيع بتبريرات سياسية من بنات أفكارهم وخالص مكرهم.. - ، هناك من “يقيس التطبيع على ما فعله النبي محمد صل الله عليه وسلم، في صلح الحديبية”؟ هل هذا أمر منطقي من الناحية الشرعية أم أن الظروف والمبررات تختلف عن زماننا؟
• هل نقارن ما لا يقبل المقارنة، ونُـشَبِّه ما لا وجه للشبَه فيه.؟
صلح الحديبية كما وصفه القرآن كان فتحا مبينا ونصرا عزيزا ونعمة تامة.. قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}. فبفضله فُتحت مكة، ثم سائر جزيرة العرب، وبفضله انتهى الشرك والمشركون. وفي ظله عرفت دعوة الإسلام أكبر وأسرع انتشار لها في العهد النبوي..
هذا مع أن المشركين لم يكونوا مغتصبين أو محتلين أرضا للمسلمين، بل كانوا في أرضهم وديارهم.. وكل جريمتهم أنهم عرقلوا حرية العبادة في بيت الله الحرام.. ولذلك كان أهم بنود الصلح: السماح للمسلمين بالحج والعمرة في البيت الحرام. وكذلك كان..
أما تطبيع المطبعين فهو مجرد استسلام وتفريط وذل وهوان.. - هناك من يضع مبررات للتطبيع منها التحصُّل على بعض المكاسب الاقتصادية أو السياسية من قبل الاحتلال هل هذا يبرر التطبيع؟ وهل يمكن الحصول على مكاسب من العدو الذي ينتهك المقدسات؟
• أولا: كل مكسب محتمل في التطبيع، لو سلمنا به، يمكن تحقيق أضعافه مع سائر دول العالم من غير دولة الاحتلال. ودول التطبيع تضيع ملايير الدولارات وغيرها من المكاسب، من خلال القطيعة والخصومة مع الأشقاء العرب والمسلمين، وتضيع ملايير الدولارات بسبب الفساد، وبسبب الصراعات الداخلية الناجمة عن الاستبداد والظلم..
أنا أنصح عشاق التطبيع أن يطبِّعوا ويدمنوا التطبيع مع أشقائهم ومع شعوبهم، ومع علمائهم وذوي الرأي فيهم، ومع المعارضين المعتقلين عندهم.. لماذا لا يجربون السلام والتعايش والتفاهم والتطبيع البناء مع هؤلاء؟ - كيف يمكن مواجهة التطبيع وما هو الواجب على كل مسلم ومسلمة؟
• التطبيع منكر كبير، بل هو مجمع ومُركَّب للمنكرات، ونبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول لنا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.. فهذا هو الواجب شرعا على كل مؤمن ومؤمنة. - ما هو دور العلماء المنوط بهم مواجهة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟
• العلماء طليعة الأمة وطليعة قادة الرأي والوعي فيها. فكل ما هو واجب على الأمة، فعلى العلماء بيانه والحث عليه، وكل ما فيه ضرر وخطر على كيانها ودينها ومصالحها، فعليهم بيانه والتحذير منه.