الشعب الصحراوي من المحيط إلى الخليج
الشعب الصحراوي من المحيط إلى الخليج
(من الأرشيف)
عرفت الأسابيع الأخيرة تحريكا منسقا لما يسمى بقضية الصحراء الغربية، تحركت منظمات ومعها إذاعات وقنوات، وارتفعت من خلالها أصوات وشعارات، وضمن ذلك كله يجري الترويج لما يسمى بالشعب الصحراوي ومطالبه وحقوقه …
ومنذ أن ظهر هذا الوصف الغريب ـ الشعب الصحراوي ـ والمصطلح الآخر الأشد غرابة، وهو اسم “الجمهورية الصحراوية” وأنا أتأمل وأتعجب: إلى أي حد يستطيع الترويج والتضليل أن يختلق أوهاما وأحلاما، وأن يكسب لها أنصارا ومدافعين، وإلى أي حد تستطيع صناعة الأوهام والأضاليل أن تسحر أعين الناس وعقولهم. هكذا يفاجأ التاريخ، وتفاجأ الجغرافية بشيء يولد من لاشيء، أو لاشيء يخرج من شيء، فنجد حديثا متصاعدا عن “الشعب الصحراوي”، وعن “الجمهورية الصحراوية” يا للعجب، كيف هذا؟ من أين هذا؟ بل أين هذا؟!
لحسن الحظ، فإن صناع الوهم لم يجدوا لهذا “الشعب” ولهذه “الجمهورية” لا وصفا تاريخيا، ولا اسما جغرافيا، ولا دينيا ولا مذهبيا، ولا تمييزا قوميا ولا عرقيا… لم يجدوا إلا وصف “الصحراوي”.
إذا كان لابد من “شعب صحراوي” بالمغرب، فليكن هو الشعب المغربي كله أو معظمه. فكل المغاربة تقريبا، صحراويون بواقعهم، أو بأصولهم القريبة، أو البعيدة، بل إن الأسرة الملكية الحاكمة بالمغرب هي أيضا أسرة صحراوية وسلالة صحراوية، سواء بأصلها الأول (الجزيرة العربية) وبأصلها الثاني (صحراء تافيلالت).
وإذا كان لابد من “شعب صحراوي” بالمغرب، فموريتانيا أيضا كلها “شعب صحراوي”. وللجزائر شعبها الصحراوي، وليبيا ومعظم تونس شعب صحراوي، وقل هذا نفسه عن مصر والسودان، وتشاد والصومال. ودول الخليج كلها شعب صحراوي، أو شعوب صحراوية…
إذا كانت المشاريع الاستعمارية، والمخططات التمزيقية، والآلة الإعلامية، قد ألصقت بإخواننا وأشقائنا في الأقاليم الصحراوية الجنوبية، صفة الشعب الصحراوي، وخدعت كثيرا منهم بهذا الوهم وهذا السراب، فنحن بنفس المنطق، نستطيع أن نتحدث عن الشعب الصحراوي لصحرائنا الشرقية، وعن الشعب الصحراوي لصحرائنا الوسطى والشمالية، وعن الشعب الأطلسي الذي يقطن جبال الأطلس، أو يوجد على الساحل الأطلسي، وعن الشعب الجبلي المشكل من قبائل جبالة، وعن الشعب الغرباوي لمنطقة الغرب…!!
يا إخوتنا وأشقاءنا أبناء صحرائنا الجنوبية، لندع المتآمرين والمتاجرين، لندع ذوي الطموحات والتطلعات، ولندع حتى الحزازات والتظلمات، فلها بابها وحديثها، ولنبصر بوضوح وجلاء، أننا شعب واحد، ودين واحد، ومذهب واحد، ولغة واحدة، وثقافة واحدة، وتاريخ واحد، وجغرافية واحدة، بل أسرة واحدة وقبيلة واحدة.
لنتذكر ما يدركه حتى الأطفال في مدارسهم وبيوتهم، أن التفرقة والتمزق والانقسام أو التقسيم، لا يعني أبدا سوى الاستنزاف، والضعف، والهوان والتبعية، والتفاهة التاريخية. انظروا إلى “شعب صحراوي” مجاور، يتكون من بضعة ملايين، وله حدود طويلة عريضة، ومع ذلك، فإن الاستقلال المسموم الذي قدم له لم يطعمه من جوع ولا آمنه من خوف، فكيف بمن هم دون ذلك بمرات عديدة؟!
يا إخوتنا وأشقاءنا، إننا نعرف ـ ويجب أن نعترف ـ أنكم عانيتم من سياسات مؤسفة، وتصرفات متعسفة، ومظالم مرة. ولكن هذا كله ـ قل أو كثر ـ لا يسمح لنا، في ديننا وقوميتنا ووطنيتنا، وفي مستقبلنا ومصالحنا العليا، لا يسمح لنا أن نسقط لقمة سائغة وأداة طيعة في أيدي المغامرين والمتآمرين، من أعدائنا، أو حتى من بعض أبنائنا وأقاربنا.