رَكَائِزُ اخْتياراتِ التَّدَيُّنِ وَالتَّمَذْهُب عند الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله
{ رَكَائِزُ اخْتياراتِ التَّدَيُّنِ وَالتَّمَذْهُب
عند الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله }
( وهو مقال طليعة نصرة كتاب الاختيارات المغربية في المذهب والتدين لفضيلة العلامة أحمد الريسوني حفظه الله ورعاه):
🌾( تمهيد: الاختيارات حاجة ملحة : التأصيل ) :
1-.. كلما اتسعت دائرة الشيء كان الاحتياج إلى تفصيله لتتمايز خطوطه مقصداً هاماً من مقاصد العقلاء؛ لأن ذلك أدعى للبيان وللتبين ؛ وأدعى للتمكين وللتمكن .. وهذا المُعطى قد استفدناه من سنن التشريع، التي كان من معالمها التدرج والتقسيم والتنويع، بحيث تراعى الفروق والظروف، ليتم العدل بعلم فيعطى كل ذي حق حقه .. وهو ما استفاده الصحابة من حياة رسول الله وعملوا به في فتوحات الإسلام والدعوة إليه، ولا أدلّ على ذلك من جمع ذي النورين عثمان بن عفان للمصحف وحرقه للصحائف بإجماع الصحابة الكرام .. ولولا هذا #الاختيار الصارم لاشتدت -أكثرَ- على الأمة الصوارم ..
ولا شك أن مما أحرقه ما كان فيه حق ويحتمله وجودٌ؛ وهو وجه اعتراض بعض من اعترض من الصحابة أولاً ؛ ولكن حسمَ مادةِ التشعب في الثوابت والتأرجح في الأصول فرضٌ من فروض هيكلة الأمة وسلامة عقلها الجمعي وترابطها المجتمعي ، فكان من لازم ذلك التضحية ببعض الفاضل وبعض المفضول حماية للعقول وللأصول .. وهذا من ضروريات الاختيار ولوازمه ، فلا يعترض بترك شيء إلا من لم يستوعب حقيقة الاختيار وسمو غاياته ..
وما زالت الأمة تصفي حروف القرآن وهو الوحي المنزل المحفوظ المعصوم حتى سبعت السبعَة بابن مجاهد وميزت العشرة المتواترة عن غيرها من الشواذّ والضعاف والآحاد وكذلك في السنة..
وكذلك في المذاهب والمدارس حتى اللغة والأدب .. فإذا كان ناموسُ الاختيار والاصطفاء والانتقاء جرى على ما الحفظ التام مضمون له مصونٌ به من الذكر الحكيم والوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. فكيف يستغرب مبدأ الاختيار في المذاهب والآراء وقد اتسعت الرقعة أكثر واشتد الحاجة أكثر وأكثر وأكثر ..
إذاً فقضية الاختيار قبل الكلام في مضمونها لا بد من التسليم بأهمية المبدإ وأرجحيته وأنه لا مناص منه وأن عليه عمل السلف قبل الخلف..
ولا يجوز لمن سيناقشنا في المُختار من الاختيار أن يقترِح ويعترض بما يعود على الاختيار المنضبط بالإبطال لأنه سيكون حينها منكراً لمبدإ الاختيار وهذا لا شك مقام آخر وهو باطلٌ كما أشرنا آنفاً .. ولأنه سيخرجنا إلى التسيب #وسيستبدل المحْتارَ بالمُخْتار ونحن ندعو إلى استقرار الصحوة لا إلى استفحال الحيرة .. ( فائدة هامشية : لا حرج عندنا في دخول الباء هنا على المأخذوذ لا على المتروك وقد بينتها نحواً ولغةً في مقالة قديمة وإن كنا استخدمناها نحن على الأفصح وهو دخولها المتروك كما في قول الله تعالى:”أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ” .. )
2-بل إن الاختيار سمة من سمات هذا الدين الذي هو نقاوة الأديان “إن الله اصطفى لكم الدين” “وربك يخلق ما يشاء ويختار” “الله يصطفي..””وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار” “ورسول الله خيارٌ من خيار من خيار”.. ووصف الله خيارَ عباده بأنهم “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه” “اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم” إذاً فهناك أسوأ وسيء وحسن وأحسن.. وأهل الإسلام يتطلبون الأحسن وهو الأوفق والأرفق وذلك لا يكون إلا باختيار واعٍ لا إكراه فيه ولا صدفة وإلا لما كان اختياراً وإن العقلاء عنه لمتنزهون فإن العاقل من يميز خير الخيرين بل وخير الشّرّين ليدرأَ به أَشرّهما ..
إنَّ اللبيبَ إذا بدا من جسمه
مرضانِ مختلفانِ داوىٰ الأخْطرَا
ويطيب لي هنا لأن عددا من المشككين في جدوى الاختيارات يميلون لابن تيمية أن أذكر
في هذا الصدد من كلماته في هذا الأصل الثاني الذي يبين أرجحية الاختيار وأنه مقتضى تصرفات الشرع ومنتهى نظر العقلاء والحكماء قال رحمه الله :(والشارع دائمًا يرجح خير الخيرين؛ بتفويت أدناهما، ويدفع شر الشرين؛ بالتزام أدناهما…)) (الفتاوى 23/182). فهذا الأصل ليس لمفردات المسائل فقط بل هو في المبادئ والمناهج أولى وأحرى .. لأن خير الخيرين هو الانضباط لو افترضنا أن عدم الاختيار منضبطاً..
قال ابن تيمية :”ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك، فقد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع”
مجموع الفتاوى 20/54 ، 10/514
وإلا فهذا المعنى كثير عن غيره من السلف والخلف أخرج ابن أبي الدنيا في الإشراف عن عَمْرو بْن الْعَاصِ قال : ” لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ وَلَيْسَ الْوَاصِلُ الَّذِي يَصِلُ مَنْ وَصَلَهُ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ”.
ومنه قال الإمام أبو طالب المكي في قوت القلوب : ” فالعالم عند العلماء من عَلِم خيرَ الخيرين فسبق إليه قبل فوته، وعلم شرّ الخيرين فأعرض عنه؛ لئلا يشغله عن الأخير منهما، وعلم أيضًا خير الشرين ففعله، إذا اضطر إليه وابتُلي به، وعلم شرّ الشرين فأمعن في الهرب منه، واحتجب بحجابين عنه، وهذه من دقائق العلوم وغرائب الفهوم وأدلة للسائلين وعبرة وآيات للعالمين فأما شر الشرين ومعرفة الخير من الشر فهو معروف بأدلة العقول وظاهر العلوم “.إهـ
إذاً فالاختيار ليس اختزالاً ولا زوالاً ولكنه تصفية وتقوية وبوابة عظيمة لدارَةِ الإسلام لا تمنع من فتح نوافذ تدخل الضياء وتمرّر الهواء ..
3-وأتذكر في بعض دروسي مع طلبتي في محاريب الفقه المالكي وأنا أشرح لهم قضية التمذهب وأنها من ضروريات العلم وسلامة مناهجه جاءتني خاطرة في التأصيل لذلك من حديث رسول الله : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ..) ربطا له بآية فلولا نفر من كل فرقة ..فالأمة تحتاج إلى تكامل وهذا يفرض على بعض رجالها التخصص في مجال والتميز فيه وبه ..
والعلم بحره شاسع فلا بد لهذه الطائفة المتميزة فيه أن تجعل لها طريقاً معيناً تسلكه دون غيره -وإن كانت لا تغلقه- لأن ذلك أبعد عن مزالق الاختلاف والصراع وأدعى لمسالك اليسر والوفاق والسهولة في أمور الدين والدنيا والآخرة ..
(لينذروا قومهم ولعلهم يحذرون) ( سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ) ( وإن أبوابها لثمانية )… والاختيار هو تعيين ذلك الطريق وهو موصل إلى الجنة بإذن الله بكل معانيها..
قال الشاطبي رحمه الله الموافقات (5/ 280):
“فلينظر المقلد أي مذهب كان أجرى على هذا الطريق، فهو أخلق بالاتباع، وأولى بالاعتبار، وإن كانت المذاهب كلها طرقًا إلى الله، ولكن الترجيح فيها لا بد منه؛ لأنه أبعد من اتباع الهوى… وأقرب إلى تحري قصد الشارع في مسائل الاجتهاد”
فانظر إلى هذا التوازن العجيب وخذ له مثالاً تطبيقيا في فتاوى الأئمة وتصرفاتهم العملية وأذكر لك نموذجا مشهوراً عن أحد أعلام الفقهاء الأذكياء من أئمة المالكية وهو الإمام المازري إذ يقول مجيباً عن مسألة : (وأما ما سألت عنه من اقتضاء الطعام من ثمن الطعام فإن أردت بما أشرتَ إليه إباحةَ أخذ طعام من ثمن طعام فهو جنس آخر مخالِف لهذا الذي اقتضى؛ 🍀وهذا ممنوعٌ في المذهب ولا رخصة عند أهل المذهب كما توهمتَ ، #ولستُ ممن #يحمل_الناس على
غيرمعروفمشهور مذهب مالك وأصحابه، لأنّ الورع قد قلّ، بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرة الشهوات ، وكثرة من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه ، فلو فُتح لهم باب في مخالفة المذهب لاتسع الخرق على الراقع، #وهتكواحجابهيبةالمذهب ، وهذا من #المفسدات التي لا خفاء بها ،🍀ولكن إذا لم يقدر على أخذ الثمن الذي باع به إلا أن يأخذ منه طعاماً ، فليفعل ذلك على وجه يسوغ بأن يأخذ الطعام منهم من يبيعه على ملك منفذه على الحاضرة ، ويقبض البائع الثمن ،ويفعل ذلك بإشهاد وبينةٍ من غير تحيل على إظهار ما يجوز . وبالله تعالى التوفيق . إهـ نص كلام المازري من المعيار وتأمل كيف أغلَق وفتَح وفيه جواب لمن يضيق باستثناءات النوازل-عامّةً أو خاصّةً-وهذا ما سنشرحه بعد .. وقد نقل الونشريسي بعد الفتوى نقولاتٍ بديعة في مسألة اختيار التمذهب والتزامه نكتفي منها بقول الشاطبي معلقا : “فانظر كيف لم يستجز هذا الإمام العلم – وهو المتفق على إمامته – الفتوى بغير مشهور المذهب، ولا بغير ما يعرف منه #بناءًعلىقاعدةمصلحية #ضرورية ؛ إذ
قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى، فلو فتح لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب، بل جميع المذاهب؛ لأن ما وجب للشيء وجب لمثله ؛ وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت ليست بضرورة”إهـ
الموافقات (5/ 101 – 102) الاعتصام (1/ 21) وانظر: المعيار المعرب (9/ 228) فتاوى الإمام الشاطبي (176). وانظر كيف أسس ونَفَّس أي التزم المذهب كأصل وفتح الباب للعالم في صور من المسائل .. {فتأمّل كلامَ الكُمّل ودعك من الجدل..}
قال ابن عجيبة في طبقات الأعيان المسمى أزهار البستان : ( والمتعين في بلاد المغرب مذهب مالك لعدم وجود من يقرر غيرَه ) .
قلت ولا مانع من الخروج عن المذهب للحرج والمشقة في نوازل المسائل ومستجدات الأحوال وسيطول شرح ذلك وأكتفي هنا : بقول ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاح : ( 3 \ 256 ) : ” وإذا زادت المشقة في التزام مذهبنا فلا عيب على المتخلص بتقليد مذهب آخر ” . ونسب الشرواني في حاشيته على التحفة هذا القول للغزالي ( انظر : حاشية الشرواني على التحفة 3\256 ) .
وقد صرّح بذلك السبكي في فتاويه إلاّ أنّه اشترط ألاّ يعتقد رجحان إمامه وألاّ يعتقد تقليد الأعلم ، وهذا صعب على حدّ تعليقه على هذين الشرطين ، لذا قال بعد ذلك والجواز أولى . وفي التقرير والتحبير ، لإبن أمير الحاج ، ( 3\468) : ” قال صلاح الدّين العلائي : والذّي صرّح به الفقهاء في مشهور كتبهم جواز الإنتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهب إمامه الذي يقلّد مذهبه إذا لم يكن ذلك على وجه التتبع للرخص “إهـ وهذا مسلم به في كل المذاهب..
4-ولأن الموضوع طويل الذيول وعندي فيه كلمات وتحريرات فإني ارتأيتُ في هذا المقال المقتضب أن أنظر إلى الاختيارات بعيني العلامة الطاهر ابن عاشور وبحكم شغفي بعلومه وكتبه فقد انتقيتُ بعض ما يساعد على المراد ؛ وإلا فجهود ابن عاشور الإصلاحية واسعة جدا ولا تخلو جملة من كتاباته من همٍّ كبير حول الإصلاح وقضاياه.. فبعد التسليم بمبدإ الاختيار وأنه محصور بأبوابه الأربعة في الفقه والاعتقاد والسلوك والقراءة؛ لأن الطاهر رحمه الله كان من أكثر الدعاة لها والمحافظين عليها لعالِميته ولمغارِبِيّته فهو العالِم المقرئ الفقيه المالكي الأشعري الصوفي.. ⛔️( فائدة هامشية ذات عبرة : كنت استعرتُ وأنا شاب تفسير ابن عاشور من أحد شيوخ السلفية المغاربة الكبار فأبى أولًا قال لأنه أشعري مذهبي صوفي فأنا لا أظهرُه فلما ألححت عليه أعطانيه وهو كاتب في طرة صفحته الأولى تحذيرا للقارئ فيه من ضلالاته حسب زعم هذا الشيخ السلفي المصلح⁉️ ثم لما انتهيتُ من قراءته أول مرة في نحو سنة تقريباً وأردت إرجاعه له على مضض قلت له ما رأيك لو تترك لي هذه الضلالات أتحملها وأعطيك بدله كتابا آخر ؛ فقال لي خذها لقد أرحتني منها ⁉️ فهذه لفتة لمن يخطئ في مفهوم #المدخلية في المغرب وأنها ليست كما يدّعون محصورة فيما يسمى #دور_الحديث .. وبعض الإخوة لا يجره إلى ابن عاشور إلا سطوة العلم إذ لن يجد عند السلفيين مثله وإلا فهو يُنقص منه ومن أمثاله بطرق باردة كقولهم نستفيد منهم فيما أحسنوا ونرد عليهم⁉️ )
{تبارك الله على السي الميزان ..}⛔️
5-( .. لماذا الطاهر ⁉️) :
.. فللإمام الطاهر ابن عاشور حضور بارز وتأثير متفرد على مجريات الحركة العلمية والنهضة الإصلاحية للعمل الإسلامي في العصر الحديث في تونس وفي الغرب الإسلامي بل وفي العالَم كله ؛ وبالأخص من بوابة تفسير القرآن العظيم تحريراً وتنويراً، ومن زاوية تجديد الفكر والتراث، ومن نافذة مقاصد الشريعة وروح أحكامِها وحِكَمِها، والتي كان فيها رحمه الله أحدَ كبار المؤسسين المعاصرين ، فلا تُذكر المقاصدُ إلا ذُكِر رجلان بينهما رجلان؛ فأما الأولانِ #فالشاطبي متقدما و #الريسوني متأخراً، وأما الآخران #فابنعاشور و #علالالفاسي ..
وهؤلاء هم أبرزُ أربعةٍ في البعث المقاصدي..
وقد كتبتْ العديد من الدراسات حول الطاهر علومه وآرائه وحياته وجهوده الإصلاحية مما يجعلنا ملزمين باستحضار تجربته لاستلهامها ولاتخاذ الأسوة منها لكل العاملين من العلماء والمصلحين وهذا ما جعلني أختاره في طليعة مباحث : ” #الانتصارلأرجحيةالاختيار ” لأنه كان من العلماء العظام الذين بنوا مشروعهم الكبير على سنن الاختيارات المغربية فمشى عليها داعيا ومنادياً وعلى أصولها كان مشيداً وبانياً
ومن فصولها كان مصلحاً مُصفياً ..
ولم يتنكب عنها متنكِّراً لا جافياً ولا عاتياً..
فمنها بدأ وإليها يعود وفي سبيلها يُجاهد ..
🍀ولما رأيت فضيلة الشيخ الإمام العلامة الريسوني قد كتب في موضوع الاختيارات بعد مراجعات ومراجعات لتكون لبنة صلبة في البناء الإصلاحي والتصحيحي ؛ رأيت في ذلك شبَهاً بشيخ الإسلام ابن عاشور والذي اتخذ الخطوات نفسها في مسيرته الإصلاحية الطويلة والتي كان من أهم ركائزها هو البناء على واقع الاختيارات النافع الذي انبثق من نُقايَة تجارب القرون، عن علم وحكمة وصلاح، ورثناه في المغرب عن سلفنا الكرام كما في استهلال العلامة الريسوني بكلمة الحافظ ابن عبد البر في هذا السياق .
من هنا حاولت إبراز ذلك الاهتمام والالتزام، بهذه الاختيارات في فكر هذا الإمام، ليعلم الناس أن تلك سنة ماضية وسبيلٌ هادية، سلكها علماؤنا عن بصيرة، وكانت من أسباب نجاح المسيرة..
فحري بالطالب والباحث والعالِم المُتمَسِّكِ المُتَجَدِّد؛ أن يسترشد بمسالك هؤلاء الهُداة
فيقفُوا ما قفَوا بلا تبديل عليل.. فرداً وجماعةً ودولةً..
( واسألوا أهلَ الذكْر إن كنتم لا تعلمون )
🌾{الباب الأول في نصرة ابن عاشور للاختيارات}:
قلت وهذا ما جعل ابن عاشور كثير الالتفات
إلى الاختيارات بالتأييد والتصويب والتطوير ..
1-🍀ويكفي أنه نال منصب شيخ الإسلام المالكي وترأس الزيتونة برهةً من الزمن -لولا عوارض الإصلاح وإكراهات السياسة- ((فقد كان الشيخ ملتزما بالمذهب المالكي مقتفياً لإمامِه، معتمدا على أمهات دواوينه، وكان ينادي بعدم جواز الخروج عن المذهب الذي تقلده المستفتي مستشهدا بأقوال أئمة الأصول كابن الحاجب والرازي والآمدي والشاطبي والغزالي والمحلي من أن الخروج عن المذهب من التلاعب بالدين، والدين يجب أن ينزه عن التلاعب والتشهي، وتأسيا بأهل الأصول كان يرى الشيخ الطاهر للمستفتي المقلد جواز الخروج عن مذهبه للاضطرار المفضي لمشقة توجب الترخيص . وكان الإمام الطاهر يبيح للنفسه -وللمفتي- الخروج عن المذهب جريا على ما تقتضيه المقاصد والمصالح المرسلة كفتواه في المساقاة خلافاً للمذهب..ومن ذلك تجويزه للمسافر بالطائرة الإحرامَ من جدة .. )إهـ
( انظر مقدمة فتاواه ص 20-21)
2-🍀هذا من حيث الفقه فهو على مذهب مالك وهو عندنا أصل المغاربة في المذهب العقدي الأشعري والسلوكي الصوفي منه يستقيان وشطرَه يستقبلان.. وللتوضيح فالشيخ ابن عاشور من حيث المذهب العقدي كان إماماً سنياًّ أشعريا حتى النخاع : ومن شواهد ذلك قوله في تفسيره : “ليس لبعض الجهات اختصاص بقرب من الله تعالى لأنه منزه عن الجهة” (التحرير والتنوير، ج2/ص12) ويقول في حق بعض الكفار: إنّهم لمَّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث، فقد كفروا بإلهيته الحقّة، إذ منهم من جسّم، ومنهم من ثلّث. (التحرير والتنوير، ج6/ص9) ويقول أيضا: “قد علم المسلمون أنّ البلوغ إلى الله ليس بلوغ مسافة ولكنّه بلوغ زلفى ورضى” (التحرير والتنوير، ج6/ص187)
ومن ذلك أيضا :شارحاً لِحديثِ البخاري وهو أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع ، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه:
«وإنما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً بالحَبر في ظنه أن الله يفعل ذلك حقيقةً، وأن له يداً وأصابع حسب اعتقاد اليهود التجسيم، ولذلك أعقبه بقراءة: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ لأن افتتاحها يشتمل على إبطال ما توهّمه الحَبر ونظراؤه من الجسمية، وذلك معروف من اعتقادهم، وقد ردّه القرآن عليهم غيرَ مرة مما هو معلوم، فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم إلى التصريح بإبطاله، واكتفى بالإِشارة التي يفهمها المؤمنون، ثم أشار إلى أن ما توهمه اليهودي توزيعاً على الأصابع إنما هو مجاز عن الأخذ والتصرّف. (التحرير والتنوير، ج23/ص64) هذا كلامه رحمه الله وقارن بينه وبين قول شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله وغفر لنا وله لتدركَ الفرق بين المدرستينِ : “ومن فوائد الحديث: إثبات الأصابع لله عز وجل لإقراره صلى الله عليه وسلم هذا الحبر على ما قال. والإصبع إصبع حقيقي يليق بالله عز وجل، كاليد، وليس المراد بقوله “على إصبع” سهولة التصرف في السماوات والأرض، كما يقوله أهل التحريف. (مجموع فتاوى ابن عثيمين، ج10/ص388)
وقد أخطأ الشيخ ابن العثيمين وأصاب الإمام ابن عاشور رحم الله الجميع .. ومن وجوه خطإ شيخنا العثيمين قوله : 1-إصبع حقيقي أي حقيقية يقصد 2-ثم قوله يليق بالله حشو لا فايدة منه مع قوله حقيقي 3-اتهامه لأئمة الأمة بأنهم أهل تحريف .. وهذا من أخطاء السلفية المعاصرة في باب الاعتقاد وقد بينته في غير هذا الموضع …
ومن شواهد دفاع الطاهِر عن الاختيار الأشعري قوله في تفسير قوله تعالى : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/38-39 ، والخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في مسألة “الهداية والتوفيق” : ” … كانت الْآيَةُ أَسْعَدَ بِمَذْهَبِنَا أَيُّهَا الْأَشَاعِرَةَ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْهُدَى كُلِّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَوْ شِئْنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ الْبَيْضَاوِيُّ وَلَكِنَّا لَا نَرَاهَا وَارِدَةً لِأَجْلِهِ “”التحرير والتنوير” (1/443) .
وقال أيضا رحمه الله : “وَوَصْفُ الضَّلَالِ بِالْمُبِينِ دُونَ وَصْفِ الْهُدَى بِالْمُبِينِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْهُدَى مَقُولٌ عَلَيْهَا بِالتَّوَاطُؤِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْأَشَاعِرَةِ: الْإِيمَانُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فِي ذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا زِيَادَتُهُ بِكَثْرَةِ الطَّاعَاتِ ، وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيَكُونُ بِإِنْكَارِ بَعْضِ الْمُعْتَقَدَاتِ ، وَبِإِنْكَارِ جَمِيعِهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ . وَلِذَلِكَ قِيلَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، فَوَصَفَ كُفْرَهُمْ بِأَنَّهُ أَشَدُّ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ الْمُبِينَ هُوَ الْوَاضِحُ فِي جِنْسِهِ الْبَالِغُ غَايَة حَده ” (22/193) ومع ذلك فهو يصوِّب ويصحح كما قال في تفسير قول الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) بعدما أورد كلاما حول صفة الكلام : “فَاحْتِجَاجُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى الصِّفَةَ الذَّاتِيَّةَ الْقَائِمَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ ” (6/39) . وأصرح من ذلك مبحث طويل في كتابه أليس الصبح بقريب نص فيه على قوة المدرسة الأشعرية في تقرير الاعتقاد السليم فقال : ( ويظهر أن هاته الطريقة أمثل الطرق في توجيه العقيدة الإسلامية بما يوافق الحجج المنطقية. ) وننقل أصله برُمّته كما هو رغم طوله للتأمل والاستفادة قال رحمه الله تحت باب عنوانه : (( “علم الكلام” :يُراد من علم الكلام، العلم الذي يعرف به إثبات العقائد الإسلامية بإثبات الحجج ودفع الشبه، وهو نظير قسم الإلهيات في الفلسفة الباحثة عن فكرة البحث في الوجود والموجود …
أما الذين اشتهرون بين القدماء بجودة البحث في الفلسفة الإلهية فهم اليونان..
ثم جاء تلميذه “أرسطاطاليس”. فأتقن هذا الفنّ وخصه بالتأليف، ومن كتبه تُرجمت كتب ما بعد الطبيعة إلى العربية، ترجمها ابن رشد الحفيد الفيلسوف؛ وقد ذكرتُ في أطوار العلوم من أوّل هذا الكتاب أن ترجمة علوم اليونان هي التي ساقت المسلمين إلى التشبه بهم في تحرير فلسفة الاعتقاد، ومرادي أن ذلك السبب الأخير المفضي وإن كان مسبوقاً بأسباب متفرقة مهيئِّة راجعة إلى طبع ارتقاء العلم في الأمّة، كما تقدم في أول قسم العلوم أن العلم في الأمّة كما هو في الفرد له أربعة أطوار ؛ فنشأت المجادلات بينهم ونالت علم العقائد وفيما هم كذلك ترجمت الفلسفة فتظاهر السببان أثر اختلافات بسيطة أولية، وهي اختلافات نظرية أنشأها البحث نشأت في آخر عصر الصحابة، مثلُ مسألة نفي القدر التي قال بها معبد الجهيني، وغيلانُ الدمشقي، ويونس الأسواري، فكانوا مرمى سهام ردود الحسن البصري وأصحابه من سنِّية ومعتزلة. وأُريدُ بالفلسفة ما ظهر من مذاهب الاعتزال التي تولى كبرها واصل بن عطاء الغَزَّال المتوفى سنة 131 أحدُ تلامذة الحسن البصري، وأكثروا الجدال في المسائل وتطبيقها على الأصول الفلسفية، ونالوا من تأييد الدولة يومئذ ما خولهم جمع مجلس للمفاوضة في آرائهم كما قدّمنا. ولو قُصر الخلاف على ما بين العلماء لكان أمر التفريق يسيراً، ولكن حَفَّ به من الحميّة والتعصب ما بعث كل طائفة على الانتصار بجماعة من العامة يلقنونهم سطحياً فساد مذاهب المخالفين، فتتخيلها العامة إلحاداً في الدين، فانشقت الأمة تفاريق العصا،
وكانوا على أربع طرائق:
1-الطريقة الأولى التي رفضت البحث والفلسفة وتمسّكت بظواهر الشريعة وفي هاته الفرقة كثير من السلف، ومنهم: المالكية، والحنابلة، والظاهرية، والخوارج، والجبرية، والمرجئة، فمنهم غالٍ ومنهم متوسط.
2-الطريقة الثانية رفضت الشريعة للفلسفة، وفي هاته الطريقة الملاحدة كلهم.
3-الطريقة الثالثة مَنْ أولوا الشريعة لأجل الفلسفة، وهم الباطنية ومنهم طائفة (إخوان الصفا)، والحكماء مثل ابن سينا وابن طُفيل، وكثير من الصوفية.
4-الطريقة الرابعة مَنْ أولوا الفلسفة لتوافق الشريعة، وهم الأشاعرة، والماتريدية، والمعتزلة، والشيعة.
-وكان مرجع الفرق إلى ثلاث شعب: 1-أهل السنة 2-والمكفِّرون بالكبائر، 3والمرجئة.
-1-فأما أهل السنة: فهم طائفتان: سلفية وخلفية؛ -فالسلفية الواقفون عند ما كان عليه الصدر الأول من أهل العصور الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأصل طريقتهم أن لا يبحث في التوحيد على أكثر مما ورد في القرآن وصريح الأقوال النبوية وأن تشرح أدلتها الواضحة، حتى لو وجد من بينها ما ينفي ظاهره التنزيهَ حمل على متعارف اللغة حقيقة فيه، نحو اليد مع التنزيه عن مماثلة الخالق للمخلوق، وعلى هاته الطريقة أهل الحديث ومتقدمو الفقهاء. ومنها نشأت عقيدة الحنابلة والظاهرية على جمود قليل.
-2-وأما المعتزلة: فهم فلاسفة المتكلمين وطريقتهم إثبات العقائد بالأدلة البرهانية مع الميل إلى تحقيق الأشياء ولو بالخروج عن ظواهر الشريعة؛ فأفرطوا في ذلك، ولهم في مسائل مشكلة تبيانات حسنة ربما وافقهم فيها حتى من خالفهم وقد تشبه بهم المتأخرون ممن ينتسب إلى أصول السلف ليجادلهم بأصول الفلسفة.
-3-وأما المرجئة: فهم قوم أخذوا بظواهر نصوص العفو والجبر وكانت دعوتهم ملائمة لأهل النفوس الشاهية – وكثير ما هم – وظنوا أنفسهم من أهل التبشير، وسلك مسلكهم جمهور الصوفية وزينت للعموم أقوالهم فأصبح غالب المسلمين مرجئين.
-جاء من بعدُ جماعة راموا التوسط وكان مذهبهم شرعياً مؤيداً بالفلسفة، ولكن بظواهر منها أرادوا أن يقنعوا بها المعتزلة
إذ يجادلونهم بما يقاوم أصولهم؛ ولكنهم ما سلموا من تقصير في إقناعهم، وهم الأشاعرة والماتريدية؛ فنالوا سخط الفريقين: فأما السلفيون فعدُّوهم مرجئين، وأما المعتزلة فعدوهم جبرية، ومن الخطإ أنهم تطلعوا إلى نقض الفلسفة فارتكبوا خبطاً شديداً، وانبرى مخالفوهم للطعن عليهم، وإن كان الله قيّض لمذهب الأشعري من أصحابه من نصره، مثل: الباقلاني، وإمام الحرمين. وفصلوا الفلسفة عن الاعتقاد وبينوا أن مخالف ما أدخلوه من الأصول الفلسفية الجديدة، مثل بقاء العرض زمانين لا يلزمه شيء من النكير بله التكفير، ويظهر أن هاته الطريقة أمثل الطرق في توجيه العقيدة الإسلامية بما يوافق الحجج المنطقية.
من أجل هذا ومن أجل ما قبله ذمّ العلماء قديماً علم الكلام وساء فيه اعتقادهم؛ إذ رأوه يزلزل أصول الإيمان الفطري والدليل الإقناعي، وتخلصوا من ذمه، إلى ذم المنطق حتى قال الشافعي: “إذا سمعت أحداً يقول: هل الاسم عين المسمى أو غير المسمى فاعلم أنه من أهل الكلام ولا دين له)
وهذا كلام فيه نظر.
-ثم نشأ بعد هذا التفرق والاختلاف أسبابٌ أخرت العلم في نفسه:
1-أولها: الخلاف في الاصطلاحيات والصفات وتعديدها وكثرة الخلاف اللفظي، مثل: مسألة هل يضل السعيد أو لا نظراً لما عند الله ولما في الواقع؟ وهل تبقى رسالة الرسول بعد موته؟ يقول الأشعري: لا، ويوافقه ابن فورك، والباجي، ويخالفه الماتريدي، ويقول القشيري: مكذوب على الأشعري، وهل الإرادة يلزمها الرضا أو لا؟ وهل القرآن مخلوق أو لا؟ وهل وجود الشيء عينه أو غيره؟ وهل لله صفة التكوين وصفات الأفعال؟ وهل له قدرة وإرادة مع الاتفاق على أنه قادر ومريد؟ ومن الحقِّ أن لا ينبني على هذا خلاف معنوي.
2-ثانيها: الغلو في التنزيه وقد ظنوا به تعظيم الله تعالى بما لم يصف به نفسه، فمن ذلك قولهم بجواز إثابة العاصي وتعذيب المطيع وتكليف المحال إلخ.
3-ثالثها: قول ما لا يعقل واعتقاده، وعندهم أن ذلك من محاسن الإيمان وربما جعلوه من معنى قوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب)[البقرة:3] فمن ذلك قولهم: “إن السمع يتعلق بالمبصرات” فهو بظاهره فاسد إلا أن يصرّحوا بأنه كناية عن العلم، وأن الكلام بلا حرف مع أنه كلام، وأن رؤيتنا الله في الآخرة بالعين لكن بلا جهة ولا كيف، وكذلك تقريرهم في الكسب، وألزموا الناس بالتقليد في الدليل كما يقلّدون في المدلول.
ثم بالغوا في هذا السبب فادعوا أن الاجتهاد في النظريات من أصول الدين لا عذر للمخطئ فيه، وهذا لا ينبغي تلقيه على إطلاقه فإن النظر في الأدلة للمتمكن من النظر المتأهّل لفهم الدليل أمرٌ جبليٌ، والخطأ فيه إن كان عن تقصير وكان الدليل المخالف لاجتهاد الناظر قطعياً قبلنا القول بعدم عذره وإلا فلا؛ إذ أي فرق بينه وبين الاجتهاد في الفروع؟ وهل حدثت هاته المذاهب إلا من الاجتهاد،
وقديماً اجتهد السلف في المتشابه.
4-رابعها: التنابز وإلزام لوازم المذاهب وذلك أوجب إباية الرجوع إلى الحقِّ إذ في طبع الإنسان كراهية الرجوع إلى من يجترئ عليه، والخلاف بين العقلاء نادر لو راموا التقارب، ولو اهتدى الناس بهدي السلف لقالوا قولهم: (لا نُكفر أحداً من أهل القبلة)،
اتخذ المرتابون في العقائد سلاحهم عند الضعف عن تأييد مذاهبهم التكفير سلاحاً، والأخذ بلوازم المذاهب، يدفعون بذلك الذين يخشون قوة جدلهم، أما السلف العلماء فقد كانوا يحبون أن يسألهم المسترشد أو يجادلهم الضالُّ ؛ ليزيلوا عنه ما عساه أن يلمّ به من الشبه، وما كانوا يتحاشون من موافقة بعض الفرق المخالفة متى اتحدّ طريق النظر، أما المتأخرون وخصوصاً الأشاعرة فقد أكثروا من الأخذ باللوازم وفتشوا لكل طائفة عن مقالة ألزموها بها الكفر، حتى كفروا المعتزلة الذين هم أقرب الناس وفاقاً معهم، وقد ترقوا فألزموا أصحابهم أيضاً لوزام سيئة مثلما ألزموا الإمام الرازي القولَ بإمكان الصفات الإلهية كما قال الفلاسفة من أجل قوله: “إن واجب الوجود لا يتعدد” مع أنه يريد التعدد الذاتي وأكبره عليه ابن التلمساني. ولكن وافقه عليه مثل التفتزاني في “شرح العقائد النسفية” والسيالكوتي في “حواشيه”.
وأول ما حدث من التكفير والأخذ باللازم في الخلاف ما حدث من الفتن في مسألة خلق القرآن، تلك الفتنة المضحكة المبكية، وقد رأيت تأليفاً في المناظرات التي جرت اسمه “الحيدة” لعبد العزيز بن أبي مسلم الكناني كان حيّاً في عصر الفتنة وناظر بشراً المريسي وأصحابه زمن المأمون. وكتابه هذا يوجد بالمكتبة الأحمدية بالجامع الأعظم. ويشبه الأشاعرة في غلوّهم على المخالفين الزمخشري في “كشافه”. -ومن توابع هذا الباب كثرة تحريف المخالفين كلام مخالفيهم، وذلك شيء يعسر الاستثناء فيه.
5-خامسها: إدخال أشياء في التوحيد ليست منه، والغرض منه إكبارها في عيون العامة ومن يلحق بهم مثل مسألة الخلاف، والخروج على السلطان، واتباع واحد الأيمة الأربعة، لردع العامة عن الاستخفاف بمراعاتها مع ما ينشأ عن الاستخفاف من الفتن. ))إهـ كلام ابن عاشور بتصرف يسير .. فاحتفل بهذا الفصل فلولا أهميته لما نقلناه بطولِه فإنه تحرير منصف وليت كل العلماء من كل المدارس تعاونوا على مثل هذا إذاً لردمتْ كثير من المهاوي والحُفَر …
3-🍀وأما مذهبه السلوكي فشواهده أكثر من أن تحصر سواء في موسوعة تفسيره أو في خصوص شرحه على البردة للإمام البوصيري
وغيرها من مؤلفاته .. ولكي نرجع إلى صلب الموضوع بعدما بينا تبني هذا الإمام المصلح المقاصدي الكبير لمبدإ الاختيار لنشير لأهم الركائز التي يرتكز عليها اعتماده في نظره..
وأقتصر هنا على ثلاث ركائز ظاهرة في خطاب الإمام الطاهر ابن عاشور الإصلاحي:
🌾{الباب الثاني في الركائز }:
(1)
( #ركيزةُتأليفالمسلمين ):
فانظر إليه وهو يؤسس للتأليف العام بين المسلمين إذ يجعله على ثلاث مراتب :
1-المعلوم بالقطع وما انعقد عليه الإجماع وهو عمدة العمل ووثيقة الأمة الأولى.. 2-ما عليه أهل السنة بمدارسهم الثلاثة المعتبرة الأشعرية والماتريدية والأثرية والتي هي زبدة المذاهب الأربعة في باب الاعتقاد .. 3-ما عليه طوائف المسلمين الأخرى من الآراء غير المنافية لدين الإسلام ولا مخالفة لأصوله العظام فهذه يسع فيها الإعذار ولو بغير إقرار .. ثم يبين رحمه الله أن ضرورة هذا التعدد تلزمنا برعاية ضرورة أخرى وهي التنوع والاختلاف مما يلزمنا برعاية ضرورة ثالثة وهي المناظرة بالحسنى لتمييز الخطإ والصواب والحق والباطل بحسب كل بابٍ ومع مراعاة الصدق والعدل ..
فهذه هي خارطة الطريق التي لا يمكن سواها ، وهذه هي خطة العمل التي لا نجاحَ إلا بها، وعلى كل فريق استحضارها لكي ينصفَ أخاه في الإسلام ولكيلا يستفزَّه بطعنٍ في مقدّساته ولكيلا ينسى الناس الدواء الأنفع من موعظةٍ حسنَةٍ ومجادَلة بالتي هي أحسن “فقولوا للناس حسنا”.. قال العلامة ابن عاشور رحمه الله :
(( .. وفيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الاعتقادات، فالمسلم مخيّر في اعتقاد ما شاء منه؛ إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ. فللمسلم : 1-أن يكون سنيا : سلفيا، أو أشعريا أو ماتريديا، 2-وأن يكون معتزليا أو خارجيا أو زيديا أو إماميا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة ؛ تميّز ما في هذه النحل من مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل. ولا نكفر أحدا من أهل القبلة )). وقد أكد هذا المعنى في مستهل تفسيره سورة البقرة مبيناً أحد أهم مقاصدها ومحاورها وهو تقوية رابطة الأمة الإسلامية وتصفيتها فقال رحمه الله:((.. وإذا كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية واستقلال أهل الإسلام بمدنيتهم كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة لما أقام الله لها من الصلاح سعيا لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل والدخل.))إهـ
وهذا ما جعله رحمه الله كثير التفصيل في مسائل الحرية؛ ورعاية سلامة الفطرة والاعتداد بطبيعتها البريئة ؛ وجعله ذلك من مقاصد هذا الدين العظيم لأن الإجماع لا يأتي إلا بقوة الاقتناع ولا فائدة من ولاء دون وعي صادقٍ في الانتماء قال رحمه الله :((.. إن التزام الدين عن إكراه لا يأتي بالغرض المطلوب من التدين وهو تزكية النفس وتكثير جند الحق والصلاح المطلوب). التحرير والتنوير 9/7.
وقال رحمه الله في موضع آخر :
((..وإذ قد استبان أن الفطرة هي الأصل الأصيل الجامع لحقيقة دين الإسلام كان حقاً على المتفقهين في الدين أن يلحظوا تطبيق هذا الأصل في مواقع الاستنباط فإن شرايع الإسلام آيلة إليه، وملاحظته عون عظيم للفقيه عند التردد أو التوقف أو تعارض الأدلة..))أصول النظام الاجتماعي 22
إذاً الحرص على الألفة والتمكين من الحرية يعتبران من أهم الأسس التي تبنى عليها تفاريع الاختيارات العلمية والعملية ..
وهذا هو لبّ صناعة العلم عند السلف كما قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله :”إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد”
(آداب الفتوى للإمام النووي ص : 37 )
(2)
( #إصلاحالتعليمأساسالإصلاح ) : هذا الباب العظيم أولاه الإمام عنايةً كبيرة ولكن عمقه عندي حسب ما اقترأتُ من كلامه رحمه الله يقوم على ركنين : 1-أنه لن يصلح التعليم إلا العالِم ولن ينقد الشيء إلا الخبير به المتمرس فيه وهنا يقطع الإمام الطريق عن كل الجهلاء والدخلاء علمانيين وإسلاميين ممن يتطاول على العلم والفقه والتراث وهو أجنبي عنه إلى حد الغربة المطلقة ؛ فهؤلاء لا يسمع قولهم ولا وزن لآرائهم ، وهذا يضاعف المسئولية على العلماء ليقوموا بواجبهم في التثْمين والتحيين وأهل مكة أدرى بشعابها .. فلن يطور الحديث من يجهل البخاري ، ولن يلحظ قوة علم الكلام من نصيبه منه الطرْح والقدح ، ولن يصلح الفقه من يعادي ابن عاشر ويظن أن عقيدته فاسدة ومن خطير ما رأيت منذ مدة أن تسلط عليها طلبةٌ بالتبديل بدعوى التعديل وطبعوا ذلك ونشروه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .. وتلك من آفات الاستعجال.. قال ابن عاشور رحمه الله : (( ومن الضروري أن الذي يتولى أمر نقد التعليم يجب أن يكون ممن أنشأه ذلك التعليم نفسه، عارفا بحاجات الزمان وغايات العلوم، نظاراً إلى الروح لا إلى الجثمان، بعيدا عن متابعة السفاسف، خبيرا بما أصاب مزاج التعليم من العلل بأنواعها وأدويتها.) {أنظر : أليس الصبح بقريب 105 } ثم قال : (وفساد التعليم إما من فساد المعلم، أو من فساد التآليف، أو من جهة النظام العام.)إهـ ولعمري لقد أصاب المحز فهذا هو مكمن الفساد: 1-أساتذةٌ بغير تكوين ، 2-وتآليفُ بسرقات نسخاً ولصقاً ، 3-ونظامٌ لا يقوم بدوره في الاحتساب ووضع المناهج اللائقة بقوة الإعداد والتخريج .. ولولا ثلة من بقية الصالحين لاندرس كلُّه… قال الإمام ابن حزم رحمه الله: (لا آفة على العلوم وأهلها أضرّ من الدُخَلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويُفسدون ويقدرون أنهم يُصلحون). قال شيخنا بكر أبوزيد رحمه الله: (( والتأليف المقبول لابدَّ أن يكون بقلم من اتّسعت مدَارِكُهُ، وطال جِدُّه وطلبه، والصَّنعة بصانعها الحاذق، ومعلمها البارع.))إهـ�[ التعالم وأثره على الفكر والكتاب ص 79 ]� 2-الركن الثاني في إصلاح التعليم : هو أن تعود لدروس السلوك معاهدها ورياضاتها بحيث تقوى النفوس على العمل وتصفو لشهود الربّ وتعلو بقصده وإخلاص الدين له لتكون كلمة الله هي العليا ولنخرّج الربانيين من أصحاب المواقف وأهل الاتساء الحسن.. قال رحمه الله : (( والواجب من حيث خطتنا التي نريد أن تسير فيها أبناؤنا وتلامذتنا هو التدريب على ضروب #الحكمة ونقد مقتضيات الزمان، وعلو الهمة، والغيرة للحق، والترفع عن سخائف المطامع، وعن #ضيقالصدر الذي ينشأ عنه الحسد والظلم والخصام، والتلظي من كلّ ما يخالف المقصد، والإقدام، والحزم وأصالة الرأي، #وحبالنظام في جميع أحوال الحياة، وعدم #معاداةالقوانين، والعمل، وحب التناسب في المظاهر كلها، وإدراك الأشياء على ما هي عليه، والتباعد عن الخفّة #والطيش، وعن الجمود والكسل، وسوء الاعتقاد والأمور #الوهمية، بحيث يكون #العدل في جميع الأشياء صفة ذاتية لهم.}إهـ
أليس الصبح بقريب 113
(3)
( #مراجعات_دائمة ) :
إنما يتوقف عن البحث من غرته نفسه وقَصُر علمه وضعفت في الحياة تجربته وفي ميادين العمل حِكمتُه .. فهو ساكنٌ لا عن سكينة ولكن عن سكونٍ ؛ استسلاماً لعوادي الإلف والاعتياد فسكونه هو وَحْلةُ الماء الراكد في الغدير الآسنِ وهذا أضر ما يكون على العلم والعمل والإيمان في كل المجالات .. وهذه هي الركيزة الثالثة فالإمام ابن عاشور كان دائم الحركة في المعقول وفِي المنقول في النفس وفي المجتمع في الشريعة وفي القوانين .. وذلك ما يجعله يبدئ في الرأي ويعيد ، وربما رعى الفكرة الواحدة الدهر المديد حتى يجمع لها بين التحرير السديد والتنوير الرشيد .. وتأمل معي حديثه عن التيمم في كتابه على الموطا الذي قصد فيه إلى كشف ما لم تبلغه أيدي الشرّاح مبتعداً عن التكرار والاجترار نظير ما فعل في تفسيره الذي فيه أحسن ما في التفاسير وأحسن مما في التفاسير كما قال عنه في مقدمته وقد صدق رحمه الله .. نعم : تأمل في تعليقاته على الموطإ في شريعة التيمم كيف يحمل الهمّ ليضيف شيئاً اشتدت الحاجة لبيانه ولم يجد هو من تطرق إليه قال رحمه الله : “أمر التيمم في الإسلام دقيق، ولقد تحيرت زمانًا في تطلب الحكمة التي لأجلها شُرِع التيمم” نعم إنه تشريع عجيب وغريب وربما هو إلى عكس الطهارة أقرب إذاً ما الداعي لجعله بديلا عن الماء عند الإمام الطاهر هنا يقول رحمه الله:
“ولأنّ تعذر الوسيلة لا ينبغي أن يجرّ إلى تعطيل المقصد، فكان وجوب الصلاة مع تعذر الطهارة شرعًا واضحًا، وكان تعويض الطهارة المائية بطهارة مائية أخرى متعذرًا، فكأن النظر يقتضي أن تسقط الطهارة عن عادم الماء والعاجز” ثم قال: “فكان تعويض الطهارة المائية بغير مائية شرعًا غريبًا خفيَّ الحكمة، و كنت زمانًا أحسبه من متشابه الشريعة، ولكني لم ألبث أن ألهمت إلى حكمة دقيقة فيه لم تبدُ لأحدٍ فيما رأيت، تلك هي التنبيه على عظم قدر الصلاة، وتأكّد وجوب التطهر لها، بأن أرادت الشريعة إقامة عمل مقام الطهارة، حتى لا يشعر المسلم أنّه يناجي ربه دون تطهر، وحتى لا تفوته نية التطهر للصلاة، فلا يفوته ذلك المعنى المنتقل به من طهارة الظاهر إلى طهارة الباطن، وحتى لا يظن أنّ أمر الطهارة هين، وفي إقامة ذلك العمل مقام الطهارة تذكير مستمر بها”.كشف المغطى عن المعاني والألفاظ الواقعة في الموطا ( ص 89-90 )
إذاً فهو استقى من ذلك أموراً عظيمة منها:
1-قاعدة كلية هامة في الشريعة وهو أن الأركان الخمسة الكبرى في الإسلام ينبغي أن تقامَ بكل حال وبأدنى المستطاع وأن لا يترك شيء منها بالكلية مهما كان العذر .. فالمحافظة عليها مقصد كبير ورعاية المقاصد ضروري ومهما قلت الوسائل فإننا نبحث عن البدائل .. 2-وقريب منه رعاية نفسية المسلم بإقامة ما يشعره بنيل المرام حتى وإن فاته الكمال والتمام ..
3-وبقدر ما يجب الربط بالله على الدوام بكل الأسباب ومنها الصلاة فلا تترك بالكلية فكذلك استشعار المسلم بالطهارة ظاهراً وباطناً ينبغي أن لا يترك بالكلية حتى لا يفقد الإحساس بفرض تزكية النفس وتحليتها بالمكارم وتخليتها من أدران القلوب وأدواء الخواطر .. ويا له من مقصد ما أعظمه حينما يستحضره المسلم وهو يعفِّر وجهه بيديه نحو التراب والأرض التي منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ؛ متيَمِّماً من الصعيد الطيب .. فلله درك يا ابنَ عاشور وإني من فيضِكَ أزيدُ عليكَ فأقول : وما تسمية هذه الشعيرة بالتيمم وهو لغة القصد إلا لتأكيد تصفية #القصود نحو الله وضبط #المقاصد لحسن الفهم عنه والاختيار في دينه.. #والخلاصة: أن أهمية قضية الاختيارات في المذهب والتدين لا تحتاج إلى تأكيد وهي لازمة لسلامة المسيرة ومن ركائز تفعيلها : 1-الحرص على الألفة بين المسلمين حتى خارج الاختيارات مع رعاية قانون الفطرة ومقصد الحرية 2-إصلاح منظومة تخريج العلماء الكبرى من أهلها وبتزكيتها..3-دوام المراجعات والتراجعات للتثمين والتحيين.. وهذا الباب عند الطاهر رحمه الله كثير وربما نتطرق إليه في فرصة أخرى بحول الله تعالى .. .. وقد أشرت فيما سبق بأن تقسيم الاختيارات المغربية إلى الثلاثية المشهورة فقه مالك وعقد الاشعري وسلوك الجنيد ..هي راجعة في الحقيقة إلى المذهب المالكي الذي هو زبدة فقه أهل المدينة الذي هو زبدة علم السلف المأخوذ عن صحابة رسول الله وكلهم من رسول الله ملتمس .. فالفقه هو الدين كلُّه وقد أخذوا تأصيله وتفريعه عن مالك ثم في خصوص الفروع (الفقه الاصطلاحي) ما نقل أصحابه، ثم في خصوص الاعتقاد نظروا فيمن جدد مذهب مالك في هذا الباب وهو أبو الحسن الأشعري بعدما تجددت الشبه واتسعت دائرة الجدل العقدي بين الملل والنحل ؛ وفي السلوك نظروا فيمن جدد مذهب مالك في هذا الباب وهو الجنيد .. وهكذا حتى في القراءة فإن قراءة نافع هي اختيار مالك رحمه الله تعالى .. وكل ذلك تلقيبُ تشهير ، وفيه مدارس وأعلام وآراء وتطوير ، ولا تناقض بين الأصل وما تفرع عنه، ولا بين المتفق عليه وما اختلف فيه، ولا بين الصواب الكثير وما قل من أخطاء بعض الأفذاذ، وكل ذلك متداخل لا يمكن انفكاكه فعلم الكلام وعلم الفقه وعلم التصوف جسد واحد.. وهذا من خصائص الاختيارات المغربية فلم يُفصل علم الكلام عن الدرس الفقهي ولا تلبس التصوف بالإشراق الفلسفي التجريدي..
بل بقي كل واحد منها حارساً للآخر..
ومن توجه للتراث في هذه الاختيارات بهذه الرؤية اتسق المعنى في عقله ووجد الجواب عن كل الاشكالات التي ترد على بعض العقول إما لقصور أو لتقصير ..
ولا شك أن من لم يتخلق برصين العلم مع رصيد الإنصاف فإنه سيكون دائم التشكك والتشكيك، غير متحمّل لمراجعة ولا تراجع ولا تفكيك ، ورحم الله العلامة ابن عاشور إذ قال:” فعلينا أن نرسم طريق الاستدلال على مقاصد الشريعة بما بلغنا إليه بالتأمل وبالرجوع إلى كلام العلماء، ويجب أن يكون الرائد الأعظم الفقيه في هذا المسلك، هو الإنصاف ونبذ التعصب لبادئ الرأي، أو لسابق الاجتهاد، أو لقول إمام أو أستاذ، بحيث إذا انتظم الدليل على إثبات مقصد شرعي، وجب على المتجددين فيه أن يستقبلوا قبلة الإنصاف”.
والله ولي التوفيق ..
والحمد لله رب العالمين ..
وكتبه عادل رفوش
مؤسسة ابن تاشفين مراكش .