مقاصد العيد/ أ.د أحمد الريسوني
مقاصد العيد
جاءت أحكام الشريعة تحقيقاً لمصالح العباد في الدنيا والآخرة , وقد وردت كثير من النصوص الدالة على أن الشريعة وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل , نذكر منها قوله تعالى: { لعلكم تهتدون } [البقرة:53] وقوله سبحانه : { لعلكم تتقون } [البقرة:21] وقوله: { ولكم فيها منافع } [غافر:80] وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تفيد هذا المعنى.
ومن هذا القبيل، مشروعية العيد، فإن لمشروعيته حِكَماً ومقاصد، يمكن تلمُّسها وتدبرها من خلال النصوص الواردة، في هذا الشأن؛ ونحن نحاول تلمس شيء من ذلك – أخي الكريم – في المقال الذي بين يديك.
فمن أهم المقاصد التي شُرع العيد لأجلها، الالتقاء بين المسلمين والاجتماع فيما بينهم.
وأبرز ما يتجلى ذلك في صلاة العيد، وهم يذكرون الله واحد ” الله أكبر الله أكبر”
وما يستشعره كل فرد منهم من رابطة الأخوة التي تجمع بينهم، والإيمان الذي يوحد قلوبهم، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، وشعار واحد هو شعار التوحيد” لا إله إلا الله”، ولأجل هذا المعنى كان من السُّنَّة أداء صلاة العيد في المصلى، حيث يجتمع معظم أهل البلد في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، يؤدون صلاة العيد، ويتبادلون أطراف الحديث في أمر دينهم ودنياهم.
ومن مقاصد العيد إدخال الفرحة على المسلمين بعد أدائهم عباداتهم، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد انقضاء أعظم أركان الحج وهو يوم عرفة، فالعيد مرتبط بالعبادة ولصيق بها، وفي ذلك إشارة عظيمة أن تعب المتعبدين يأتي بعده الفرح والسرور، وأن العيد إذا كان جائزة المتعبدين في الدنيا، فإن الجائزة الكبرى في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار.
ومن مقاصد العيد أنها تفتح مجالاً لوصل ما انقطع بين الأرحام والأقارب والأصدقاء، فليس هناك وقت تصفو فيه النفوس، وتقبل على بعضها كأيام العيد، فهي أيام حري بكل ذي حقد على إخوانه أن ينبذه، وبكل من طبعت علاقته بأهله شائبة أن يزيلها، فتتآلف القلوب وتتعانق الأرواح في سماء المحبة والإخاء.
ومن مقاصد العيد أن يحيى الفقراء المسلمون جميعاً في كفاف من قوتهم ولبسهم، فيفرحون بالعيد كما يفرح غيرهم، ويلبسون الثياب النظيفة كما يلبس غيرهم، ولا يتعرضون لذل السؤال، لذلك شرع الله صدقة الفطر لمواساتهم؛ كما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال أغنوهم في هذا اليوم )رواه الدار قطني ، وفي سنده ضعف.
ومن مقاصد العيد المعتبرة، تغيير نمطا الحياة المعتادة، وكسر رتابتها الثابتة، وذلك أن من طبيعة النفس الإنسانية أنها تحب وتتطلع دوماً إلى تغيير ما اعتادته وألفته من عادات، فكان العيد مناسبة لتغيير نمط الحياة، بحيث يشعر المسلم في هذه المناسبة بصلة جديدة مع من حوله، ويحس واقعاً متجدداً من الحياة.
ومن مقاصد العيد التوسعة على المسلم باللهو المباح، يرشدك لهذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لـ أبي بكر رضي الله عنه، وقد دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عيد ووجد عندها جاريتين تغنيان، فأنكر عليها ذلك، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما ، والحديث في “الصحيحين” و المراد من قوله عليه الصلاة والسلام : ( دعهما) مراده صلى الله عليه وسلم أن لكل قوم في عيدهم فرحاً ومسرة وشيئاً من اللهو، فهذاإعلام بالرخصة في غناء الجاريتين، لأجل كون اليوم يوم عيد. وقد اشترط أهل العلم أن يكون الغناء من جاري وهي ما دون سن البلوغ من النساء وكذا أن يكون الغناء كغناء يوم بعاث , غناء حماسي وعفيف دون أدوات موسيقية أو مزامير ، فتبين من ذلك أن من جملة المقاصد في تشريع العيد إجمام النفوس وارتياحها.
وقريب مما تقدم، كان من مقاصد العيد مباسطة الأهل ومداعبتهم والتوسعة عليهم، خاصة بعد أن أختل ميزان العلاقات الاجتماعية، إذ باعدت تكاليف الحياة وشؤونها وشجونها بين الأب وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، وبين الإنسان وأرحامه؛ فيأتي العيد لِيُعيد شيئاً من ذاك التوازن المفقود، ويصحح الوجهة وفق الهدف المنشود.
فهل يتنبه المسلمون لهذه المعاني الرفيعة في شرعية العيد، فيلتمسوها ويمتثلوها { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق:37].