البحث في مقاصد الشريعة نشأته وتطوره ومستقبله / أ.د أحمد الريسوني
*****
بحث مقدم لندوة مقاصد الشريعة، التي نظمتها مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، من 1 إلى 5 مارس 2005
*****
إذا استثنينا بعض أفراد من المذهب الظاهري، فإن الأمة الإسلامية مجمعة على أن الشريعة إنما هي حكمة و رحمة ومصلحة للعباد في دنياهم وآخرتهم، وأن أحكامها كلها على هذا المنوال، ما علمنا من ذلك و ما لم نعلم.قال الله عز وجل «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»[1] قال العلامة القرطبي في تفسيره” ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية”[2]. وقال الإمام الشاطبي: “الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح باتفاق”[3]
ومن هذا المنطلق جزم العلامة ابن القيم بأن “الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها و رحمة كلها ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل…”[4]
وهذا الإجماع عن الأئمة وسائر العلماء المعتبرين، قديم يرجع إلى الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ما حققه وصرح به عدد من العلماء محققين مدققين في فقه الصحابة والسلف.قال العلامة شاه ولي الله الدهلوي:”وقد يظن أن الأحكام الشرعية غير متضمنة لشيء من المصالح…وهذا ظن فاسد تكذبه السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير”[5]
وإذا كان الصحابة هم أول القائلين –وأول المجمعين- بأن الشريعة مصلحة، وأن أحكامها لا تعدو أن تكون لخير تجلبه أو لشر تدفعه، فمن الطبيعي أن يكونوا هم أول الملتفتين وأول المراعين لمقاصد الشرع ولحكمة الله تعالى.قال ابن القيم”وقد كانت الصحابة أفهم الأمة لمراد نبيه واتبع له.وإنما كانوا يدندنون حول معرفة مراده ومقصوده”[6]
وإذا كان شيخ المقاصد أبو سحاق الشاطبي قد أبدى تخوفه- في زمن الركود والجمود- من أن يتلقى فكره المقاصدي التجديدي بالاستغراب والإنكار، فإنه وجد ملاذه وحجته في كون ما جاء به هو”بحمد الله أمر قررته الآيات والأخبار، وشد معاقله سلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشد أركانه أنظار النظار.وإذا وضح السبيل لم يجب الإنكار”[7]. وهو يصرح وينص بصفة خاصة على الصحابة، فيصفهم بأنهم”عرفوا مقاصد الشريعة فحصلوها، وأسسوا قواعدها وأصلوها، وجلت أفكارهم في آياتها، و أعملوا الجد في تحقيق مبادئها وغاياتها.”[8]
وعلى هذا فمقاصد الشريعة ومعرفتها ومراعاتها، ليس شيئا اكتشفه اللاحقون أو ابتكره المتأخرون، بل هو من صميم الدين، بل هو صميمه، من أول يوم ومن أول فهم.والقرآن الكريم والسنة النبوية هما أول مصرح بمقاصد الشريعة وأول منبه على أمثلتها ونماذجها الإجمالية والتفصيلية. فرغم أن أحكام الوحي لها من القداسة ومن الثقة بها والتسليم لها ما لا مزيد عليه عند المؤمنين بها، وما لا يحوجهم إلى بيان علة ولا حكمة ولا مقصد ولا مصلحة، فإن القرآن والسنة-رغم ذلك-قد بينا كثيرا من علل الأحكام ومقاصدها، في العبادات والمعاملات وسائر أبواب التشريع.وأقول كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله:”والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح…ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة”[9]
ومثل هذا الموقف نجده – قبل أكثر من ثلاثة قرون من ابن القيم- عند ابن بطال في شرحه النفيس على صحيح البخاري، حيث قال عند حديث”إنما جعل الاستئذان من أجل البصر”.
وهذا حديث مما يرد قول أهل الظاهر، ويكشف غلطهم في إنكارهم العلل والمعاني، وقولهم إن الحكم للأسماء الخاصة”؛ لأنه عليه السلام علل الاستئذان بأنه إنما جعل من قبل البصر، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب أشياء وحظر أشياء من أجل معان علق التحريم بها.ومن أبى هذا فقد رد نص السنن. وقد نطق القرآن بمثل هذا كثيرا، من ذلك قوله تعالى(وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم)وقال(ما أفاء على رسوله من أهل القرى)إلى قوله(كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وقال تعالى(ذلك جزيناهم ببغيهم)في مواضع كثيرة يكثر عددها، فلا يلتفت إلى من خالف ذلك)[10]
وبما أن الغرض الآن متجه إلى رصد الاهتمام بمقاصد الشريعة باعتبارها موضوعا للبحث والنظر والتصنيف، وكيف بدأ ذلك وكيف تطور قديما وحديثا، فلا أطيل في بيان أصالة النظر المقاصدي وأسسه الواضحة في القرآن والسنة وفقه الصحابة، خاصة مع صرح به عدد من العلماء من الإجماع على ذلك وبداهته ووضوحه للعيان.
مصطلحات متعددة وحلقات مفقودة
من أجل التعرف على ما قبل وما كتب عن مقاصد الشريعة في مختلف العصور، وفي مختلف المصنفات والعلوم الإسلامية، لابد أن نعرف-قبل ذلك-أن ما نعنيه اليوم بمقاصد الشريعة قد عبر عنه العلماء بتعابير ومصطلحات متعددة.فلابد من معرفة مختلف المفردات المعبر بها، حتى لا تقتصر على ما ورد بعبارة مقاصد الشريعة، أو مقاصد الشرع، أو ما يشتق منها.
فمصطلحات: العلة والعلل، والحكمة والمصلحة، والمعنى والمغزى، ومراد الشرع، وأسرار الشريعة، كلها غيرها استعملت وما زالت تستعمل للتعبير عن مقاصد الشريعة وما يندرج فيها.
وكذلك لابد أن نستحضر، ونحن نرصد ونسجل ما نقف عليه من كلام حول مقاصد الشريعة، أن هناك الشيء الكثير من تراثنا العلمي القديم، ومن أقوال عدد من العلماء وآرائهم، إما لم يدون أصلا-وخاصة منه تراث الصحابة والتابعين ومن يلونهم من المتقدمين-وإما ضاع ولم يحفظ لنا، وإما أنه محفوظ ولم يصل إلى أيدينا بعد، أو لم تصل أيدينا إليه، وإما أنه بين أيدينا ولكن لم يستكشف ولم يدرس بعد.وهذا كله يبقي باب الاستدراك والتتميم مفتوحا. فلا بد من أخذ هذا التحفظ في الاعتبار
الأئمة الثلاثة للفكر المقاصدي
الفكر المقاصدي-كغيره-بدأ ونشأ وتطور عبر سلسلة طويلة، من العلماء وآرائهم وكتاباتهم، لا حصر لحلقاتها وامتداداتها الفكرية والمذهبية والزمانية والمكانية.إلا أنني أجد ثلاثة من العلماء المبرزين في هذا المجال، لكل منهم مقامه المتميز، وريادته وإمامته لمن بعده.ويمكن التأريخ ورصد التطورات الكبرى للفكر المقاصدي من خلال هؤلاء الثلاثة وهم:
1ـ إمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، المتوفى سنة 478 هـ
2ـ أبو إسحاق الشاطبي، المتوفى سنة 790هـ
3ـ محمد الطاهر بن عاشور، المتوفى 1379هـ/1973م
فمن خلال التوقف عند هؤلاء الأعلام الثلاثة، مع الإلتفات إلى من سبقوهم ومن لحقوهم، مؤثرين ومتأثرين، نستطيع أن نسجل أهم المحطات في نشأة الفكر المقاصدي وتطوره.
قبل الجويني كان القفال الكبير
قبل أن نصل إلى الإمام الجويني وإلى التطوير النوعي الذي أحدثه في مجال الفكر المقاصدي، نجد إماما مقاصديا جليلا، لا يزال مغمورا، أ-على الأقل-غير مقدر حق قدره لحد الآن .هذا الإمام يبدو مزاحما ومنافسا للإمام الجويني في إمامته وريادته في مجال المقاصد، وأعني به أبا بكر القفال الشاشي، المعروف بالقفال الكبير(ت365)، صاحب كتاب(محاسن الشريعة)
وقد نوه بهذا الكتاب غير واحد من العلماء الذين اطلعوا عليه واستفادوا منه.فالقاضي أبو بكر بن العربي، ذكره في سياق حديثه عن تعليل الشريعة وانبنائها على المقاصد والمصالح، حيث قال:”ولقد انتهت الحالة بالشيخ المعظم أبي بكر الشاشي القفال إلى أن يطرد (أي جعله مطردا عاما) ذلك حتى في العبادات، وصنف في ذلك كتابا كبيرا أسماه(محاسن الشريعة)…”[11]
وكذلك ذكره ابن القيم في سياق دفاعه الطويل الممتع عن القول بالحسن والقبح الذاتيين، فقال :”واختاره من أئمة الشافعية الإمام أبو بكر محمد بن علي بن اسماعيل، القفال الكبير، وبالغ في إثباته وبنى كتابه(محاسن الشريعة)عليه، وأحسن فيه ما شاء”[12]
ونحمد الله تعالى على كون هذا الكتاب لايزال محفوظا، تعرف نسخة منه بتركيا وأخرى بالمغرب.كما أن جزءا من الكتاب[13] حققه الأستاذ الدكتور كمال الحاج غلتول العروسي وتقدم به لنيل الدكتوراه في الفقه من جامعة أم القرى من مكة المكرمة، سنة1412/1992.
وقد علمت أن الباحث الجزائري الدكتور محمد السليماني يعمل على تحقيقه ونشره كاملا.
والكتاب يرمي –أساسا-إلى بيان حكم الشريعة ومقاصدها في أحكامها، مبينا من خلال ذلك وجوه الرحمة والمصلحة واليسر والنفع للعباد.قال الإمام القفال الكبير رحمه الله في مقدمة كتابه:”غرض الكتاب الذي قدرنا –ولله التقدير.تأليفه، في الدلالة على محاسن الشريعة، ودخولها في السياسة الفاضلة السمحة، ولصوقها بالعقول السليمة، ووقوع نورده من الجواب لمن سأل عن عللهاموقع الصواب والحكمة…”[14] ، ثم يؤكد أن”المقصد فيه(أي في الكتاب) تقريب الشرائع في العقول في الأصل، وجواز وقوع السياسة فيها لما بينا أنها وقعت من حكيم عليم بالعواقب مستصلح”[15]
وهو يقرر- رحمه الله- أن أهل الحق والإيمان” يعتقدون صحة ما ترد به الشرائع. وإن جهلوا وجهه…ثم وراء ذلك يربطونه بالمعنى العام الذي هو المصلحة من المتعبد الذي تقدست حكمته ورأفته، وغناه وجوده، وانفراده بالعلم بالغيب والشهادة”[16]
ويستمر تأسيسه العقدي والفكري للبعد المقاصدي الاستصلاحي للشرائع المنزلة من خلال رده على بعض الفئات المشوشة، إلى أن يقول لهم:”إن كنتم تثبتون للأشياء صانعا حكيما قادرا، فهو لايكون إلا مريدا للخير لعباده، مجزيا لهم على السياسة الفاضلة العائدة باستصلاحهم…”[17]
تم يتطرق إلى ما قد يعترض به من أحكام شرعية لا يظهر للناس وجه الحكمة والمصلحة فيها أو في نسخها واستبدال غيرها بها، فيبين أن ثبوت صفة الحكمة والاستصلاح في جملة الشريعة ، يغني عن معرفة ذلك في كل أحكامها وتفاصيلها.
فحتى الناس فيما بينهم إذا عرفوا واستقر عندهم أن أحدهم يدبر الأمور ويسوسها بحكمة وعدل وتعقل”كفى ذلك عن تتبع مقاصده بمن يولي أو يعزل، أو فيما يدبر به نفسه وأهله ورعيته، إلا أن يبلغ الأمر في ذلك مبلغا لا يوجد لفعله منفذ ومساغ في المصلحة، فحينئذ يخرج صاحبه الفاعل عن استحقاق صفة الحكيم.”[18]
وبهذا”يكون الجواب عما يسأل عنه عن العلة في الشيء الخافي علينا معناه الخاص به في نفسه، أنه معلول بالعلة العامة التي هي المصلحة”[19]
وبعد استيفاء هذه المقدمات النظرية التأسيسة قال:”ونحن الآن نصير إلى الشرائع ونقرب معانيها من العقل، على الأصول التي تقدم ذكرها…”
ثم مضى رحمه الله مع تفاصيل أحكام الشريعة-وفق التبويب الفقهي المعهود- يبين عللها ومصالحها ووجوه اللطف والحكمة فيها.غير أن خوضه وانهماكه في التعليلات الجزئية لا يمنعه من التوقف من حين لآخر، ليقرر المقاصد العامة والأسس الكلية للشريعة الإسلامية، و ليذكر بما ذكره عنها، كما نرى في قوله”وقد ثبتت الدلالة على غنى الله وانتفاء الحاجة والفاقة عنه، واستحالة الضرر واستجلاب النفع إلى نفسه عز وجل. فهو لا يحلل ولا يحرم لحاجة نفسه أو دفع الضر عنها أو استجلاب نفع إليها، وإنما يفعل ذلك لمنافع عباده واستصلاحهم. وما سبيله الاستصلاح، فقد تجري السياسة فيه على حظر ما يخاف بإباحته إلى استباحة ما الصلاح في حظره”[20]
ومن خلال هذا النص، ونصوص أخرى تقدمت، وأخرا لم أنقلها، يتبين لنا كثرة استعماله لمصطلحات المصلحة على أهميته.وقد ذهب بعض الدارسين-وهم في ذلك معذورون-إلى أن الإمام الغزالي هو أول من استعمل مصطلح”الاستصلاح”، ثم ظهر أن شيخه الإمام الجويني قد سبقه في ذلك، لكني كشفت عن أنهما مسبوقان معا-كما سيأتي بعد قليل-بالقاضي عبد الجبار الهمذاني، المعتزلي، المتوفي سنة 417ه.وها أنذا الآن-بتوفيق الله تعالى-أكتشف وأكشف سبق الإمام القفال الكبير، لهم جميعا.ومن يدري، لعلنا نصل إلى أبعد من هذا وأقدم.وها هو القفال نفسه يقول لنا:”وفي ابتعاث الرسل من الحكمة والمصلحة وجوه كثيرة، هي موجودة في كتب العلماء”[21]
فمن هم هؤلاء العلماء السابقون عليه؟ وما هي كتبهم يا ترى؟فمما شك فيه أن هؤلاء المتقدمين الأولين لهم فضلهم على الإمام الشاشي القفال، مثلما له ولهم الفضل على اللاحقين.وقد نبه محقق كتاب(محاسن الشريعة)، غير ما مرة عن تشابه وتطابق كبيرين، بين نصوص من هذا الكتاب وأخرى في كتاب (مفتاح دار السعادة)لابن القيم الجوزية[22]، رحم الله الجميع وجزاهم خيرا.
الترمذي الحكيم
وقبل القفال الكبير نجد علما آخر كانت له عناية بارزة بمقاصد الشريعة وعللها وأسرارها، وهو أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي، المعروف بالترمذي الحكيم.وقد اختلف في سنة وفاته اختلافا غريبا والراجح أنه عاش إلى أواخر القرن الثالث الهجري، وربما إلى أوائل القرن الرابع.
وأول ما يلفت الانتباه ويستحق التنويه عند الحكيم الترمذي، هو أنه –فيما نعرف-أول من استعمل لفظ”المقاصد” في عنوان كتابه، وذلك في كتابه(الصلاة ومقاصدها)، وهو كتاب محقق ومطبوع منذ عدة سنين[23]. وهذا نموذج منه يعلل فيه أفعال الصلاة وما ظهر له من أسرارها، قال رحمه الله:”فأفعال الصلاة مختلفة على اختلاف الأحوال من العبد: فبالوقوف يخرج من الإباق.وبالتوجه إلى القبلة يخرج من التولي والإعراض. وبالتكبير يخرج من الكبر.وبالثناء يخرج من الغفلة.وبالتلاوة يجدد تسليما للنفس وقبولا للعهد.وبالركوع يخرج من الجفاء، وبالسجود يخرج من الذنب.وبالانتصاب للتشهد يخرج من الخسران.وبالسلام يخرج من الخطر العظيم…”[24].ثم راح يفصل هذه الإشارات في بقية فصول الكتاب.
الترمذي الحكيم يغلب عليه –كشأن علماء الصوفية وشيوخها-هذا المنحى الرمزي الذوقي، في تعليل أحكام الشريعة وتكاليفها.وهذا ما نجده في كتب تعليلية مقاصدية أخرى له، مثل كتاب إثبات العلل”[25] وكتاب”الحج وأسراره”[26]
وفي تقديري، فإن القيمة اكبرى للترمذي، لا تكمن في تعليلاته التي شملت الكثير من العقائد والأحكام الشرعية، بقدر ما تكمن في منحاه التعليلي الذي لايكاد يستثني شيئا.فهو قد خدم فكرة التعليل والتقصيد لأحكام الشريعة بشكل قل نظيره فيمن بعده، فضلا عمن قبله.
الشيخ الصدوق
وممن جاؤوا بعد الترمذي وشغفوا بالبحث والتقصي لعلل الشريعة وأحكامها،
نجد إماما إماميا، هو العلامة ابن بابوية القمي، أبو جعفر محمد بن علي، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفي سنة 381هـ. وأهم كتاب يذكر له في هذا الباب هو“علل الشرايع”[27] الذي جمع فيه ثروة كبيرة من الأقوال التعليلية المروية عن أئمة الشيعة وعلمائهم، ابتداء من الصحابة المعتمدين عندهم.وهي تعليلات تشمل كافة أبواب الشريعة، بل كافة أبواب الدين، بما فيها العقائد والأخبار.ولا أستبعد أن يكون الشيخ الصدوق قد تأثر بالشيخ الحكيم، في منهجه ونزعته التعليلية الجامحة.[28]
وإذا كانت القيمة الكبرى للترمذي الحكيم هي هذه النزعة التعليلية، بغض النظر عن تعليلاته ذاتها، فإن القيمة الكبرى للشيخ الصدوق هي هذه الآلاف من الروايات التعليلية التي جمعها، من حيث كونها تكشف- من حيث المبدأ- عن توسع كبير في التعليل والتقصيد عند المتقدمين، مما يظهر بوضوح إيمانهم الراسخ بكون الشرائع كلها مبنية على علل وحكم ومقاصد ومصالح. كما تكشف لنا مؤلفات هؤلاء الأعلام الثلاثة (القفال الكبير، والترمذي الحكيم والشيخ الصدوق)عن مدى انهماك علماء هذه الحقبة في تقصي التعليلات والمقاصد الجزئية التفصيلية بصفة خاصة.
أبو الحسن العامري والتفكير الفلسفي في المقاصد
في هذه الحقبة أيضا نقف عند حكيم آخر وعلم آخر من أعلام الفكر المقاصدي والبحث المقاصدي وهو الفيلسوف أبو الحسن العامري، المتوفي سنة 381هـ كذلك.
وإذا كان الأعلام الثلاثة السابقون فقهاء فروعيين شغلتهم العلل والحكم الجزئية، فإن أبا الحسن العامري، الفيلسوف المتكلم، جاء فكره المقاصدي متسما بالنزوع نحو الرؤية الكلية والاستنتاجات العامة.
وأهم نموذج بين أيدينا الآن من إنتاجه وفكره هو كتابه الفذ “الإعلام بمناقب الإسلام” وهو كتاب يدخل في”علم مقارنة الأديان” وأقرب فصوله إلى موضوعنا هو الفصل السادس، المتعلق بحكم العبادات الإسلامية ومكارمها، وبيان تميزها وتفوقها على نظراتها في الديانات الأخرى.
ولعل أهم سبق حظي به العامري هو سبقه إلى ذكر الضروريات الخمس، التي أصبحت –على مر العصور-محور الكلام في مقاصد الشريعة.وسبقه كذلك إلى التنبيه على منبع استنباطها من خلال العقوبات الشرعية التي وضعت لحفظ أركان الحياة
الفردية والاجتماعية.قال رحمه الله:”وأما المزاجر فمدارها أيضا عند ذوي الأديان الستة لن يكون إلا على أركان خمسة، وهي:
– مزجرة قتل النفس كالقود والدية
– ومزجرة أخد المال، كالقطع والصلب
-ومزجرة هتك الستر، كالجلد والرجم
-ومزجرة ثلب العرض، كالجلد مع التفسيق
-ومزجرة خلع البيضة، كالقتل عن الردة”[29]
فهذه هي أصول الكليات التشريعية، التي جرى تنقيحها وضبط مصطلحاتها لاحقا، على يد الجويني والغزالي، واشتهرت باسم الضروريات الخمس.
على أن للعامري كتابا آخر، يظهر من عنوانه أنه في صميم مقاصد الشريعة، وهو يشبه بعض العناوين السابقة، المنتمية إلى هذه الحقبة.واسم الكتاب هو:(الإبانة عن علل الديانة). ذكر أنه علل فيه أحكام الشريعة في المعاملات.[30] ولا أدري لحد الآن ما مصير هذا الكتاب الذي يسيل له لعاب الباحثين في مقاصد الشريعة.
ويبدو لي أن العامري و أمثاله من المتكلمين والمتفلسفين قد أسهموا في دفع البحث المقاصدي نحو مرحلة التنظير والتقعيد والتماس المقاصد الكلية. وفي هذا السياق يمكن أن ندرج بعض الإسهامات المعتزلية، حيث يبدو أن المقالات الاعتزالية عن العدل الإلهي، واللطف الإلهي وفعل الصلاح والأصلح، والحسن والقبح الذاتيين، قد شكلت مصدر إغناء للنظر المقاصدي، سواء لدى المعتزلة أنفسهم، أو لدى مخالفيهم ولعل الاستدلالات العقلية المطولة للفخر الرازي على تعليل الشريعة ومصلحيتها، وختمه لها بقوله:”أما المعتزلة فقد صرحوا بحقيقة هذا المقام وكشفوا الغطاء عنه، وقالوا:إنه يقبح من الله تعالى فعل القبيح وفعل العبث، بل يجب أن يكون فعله مشتملا على جهة مصلحة وغرض…”[31]
لعل ذلك واضح الدلالة على حضور المقالات الاعتزالية ومساهمتها في تأسيس النظر المقاصدي.وفي هذا السياق أضع إمام الحرمين وإسهاماته الفكرية في مجال مقاصد الشريعة، حيث انتقلت من التنظير الكلي، بعد مرحلة غنية بالتعليل الجزئي..
إمام الحرمين وإماماته في مقاصد الشريعة
إذا تجاوزنا الإمام أبا إسحاق الشاطبي الذي قدر له أن يتربع على عرش مقاصد الشريعة منذ القرن الثامن الهجري(ت790)، فإن العارفين بهذا الشأن يجمعون على أن صاحب والريادة في هذا الفن، هو إمام الحرمين، الجويني.
وإذا كان إما الحرمين لم يفرد مقاصد الشريعة بمؤلف خاص أو شبه خاص، كما فعل علماء آخرون قبله وبعده، فإن مؤلفاته جاءت مشحونة بقضايا مقاصد الشريعة، كلياتها وجزيئاتها. وجاءت شاهدة على نظر مقاصدي ثاقب وفكر مقاصدي ناضج.وتلك هي الإمامة التي ائتم به فيها كبار المقاصديين من بعده، فكرروا ما قرره، وأتموا ما بدأه، وصاروا على نهجه ونسجوا على منواله.
إسهامات تأسيسية لإمام الحرمين في الفكر المقاصدي
الأعمال التأسيسية
مهما تكن قلتها و محدوديتها، و مهما يكن
من قصورها و عدم كفايتها، و مهما يرد
عليها من ملاحظات و استدراكات ، فإنها تظل
أعمالا عظيمة لا يأتي بها إلا العظماء المبدعون. و من هؤلاء إمام الحرمين.و في ما
يلي بعض إسهاماته المقاصدية التي تمتاز بالسبق و الإبتكار في هذا المضمار.
1-الضروريات و
الحاجيات
لقد أصبح من المعتاد تقسيم المقاصد الشرعية و مصالحها المرعية إلى ضروريات، و حاجيات، وتحسينات. كما أصبح من المعتاد اللجوء و الاحتكام إلى هذا التقسيم لتمييز مراتب المصالح و معرفة ما يقدم و ما يؤ خر، و ما يعتبر فيه الترخيص و ما لا يعتبر، و ما يمكن تفويته و ما لا يمكن…إلى غير ذلك مما يترتب على هذا التقسيم من قواعد و تطبيقات أصولية و فقهية…هذا التقسيم نجده و نجد أساسه-أول ما نجد-عند إمام الحرمين، و ذلك في باب تقاسيم العلل و الأصول من كتاب القياس في (البرهان). فبعد أن عرض آراء العلماء فيما يعلل و ما لا يعلل من أحكام الشرع، و ذكر نماذج لتعليلاتهم، و أثر كل ذلك في إجراء الأقيسة في الأحكام…قال:”هذا الذي ذكره هؤلاء أصول الشريعة. و نحن نقسمها خمسة أقسام…”[32]
و ظاهر من عبارته الإشعار بأن هذا التقسيم من وضعه، و أنه غير مسبوق به.و قبل أن أذكر تقسيمه للعلل و المقاصد الشرعية، أشير إلى أنه أتى به ليبين من خلاله ما يصح إجراء القياس فيه و ما لا يصح. أما الأقسام الخمسة للعلل –أو التعليلات- الشرعية، فهي:
القسم الأول: ما يتعلق بالضرورات ، مثل القصاص، فهو معلل بحفظ الدماء المعصومة، و الزجر عن التهجم عليها.[33]
القسم الثاني: ما يتعلق بالحاجة العامة، ولا ينتهي إلى حد الضرورة. و قد مثله بالإجارات بين الناس.[34]
القسم الثالث:ما ليس ضروريا و لا حاجيا حاجة عامة، و إنما هو من قبيل التحلي بالمكرمات، و التخلي عن نقائضها.و قد مثله بالطهارات[35]
القسم الرابع: و هو أيضا لا يتعلق بحاجة و لا ضرورة، و لكنه دون الثالث، بحيث ينحصر في المندوبات[36] . فهو –في الأصل-كالضرب الثالث، الذي انتجز الفراغ منه، في أن الغرض المخيل:الاستحثاث على المكرمة لم يرد الأمر بإيجابها، بل ور د الأمر بالندب إليها…”[37]
القسم الخامس:هو ما لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد، لا من باب الضرورات ، و لا من باب الحاجات، ولا من باب المكرمات، قال:”وهذا ينذر تصويره جدا[38] أي أن هذا الصنف نادر جدا في الشريعة؛ لأن كل أحكامها-تقريبا-لها مقاصد واضحة وفوائد ملموسة.ولهذا فإنه رغم تمثيله هذا القسم الذي لايعلل ، بالعبادات البدنية المحضنة ، التي”لا يتعلق بها أغراض دفعية ولا نفعية”[39]، أي لا يظهر فيها درء مفسدة ولا جلب مصلحة، فإنه سرعان ما نبه على أن هذه العبادات يمكن تعليلها تعليلا إجماليا، وهو أنها تمرن العباد على الانقياد لله تعالى، وتجديد العهد بذكره، مما ينتج النهي عن الفحشاء والمنكر، ويخفف في المغالاة في اتباع مطالب الدنيا، ويذكر الاستعداد للآخرة. قال: “فهذه أمور كلية، لا ننكر على الجملة أنها غرض الشارع في التعبد بالعبادات البدنية. وقد أشعر بذلك: بنصوص من القرآن العظيم في مثل قوله تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”[40](العنكبوت:45)
فلم يبق إذن إلا بعض أحكامها التفصيلية، مما يعسر تعليله فيتعذر القياس عليه، كهيآت الصلاة، وأعداد ركعاتها، وكتحديد شهر الصوم ووقته…[41]
ولنعد إلى التقسيم الخماسي للعلل والمقاصد الشرعية، فقد سبق التنبيه- واعتمادا على كلام الإمام نفسه- على أن القسمين الثالث والرابع، يمكن دمجهما في قسم واحد.ويؤكد هذا أنه عندما ذكر القسم الخامس نص على أنه لا يدخل لا في الضروريات، و لا في الحاجيات، و لا في المحاسن.فحصر الأقسام الأخرى في ثلاث.
ثم إذا جئنا إلى هذا القسم الخامس، نجد أنه قد قسمه –ضمنيا- إلى ما يعلل تعليلا إجماليا وإلى ما لا تعليل له، فيجب إلحاقه بأحد الأقسام الثلاثة، فهو إما من الضروريات، وإما من الحاجيات، وإما من المحاسن.وما تعذر تعليله، فهو ليس مما نحن فيه، أي تقسيم العلل.فلا يبقى عند التحقيق إلا ثلاثة أقسام…
والذي أريد أن أخلص إليه من هذا:هو أن إمام الحرمين رحمه الله، هو صاحب الفضل و السبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشارع (الضروريات-الحاجيات-التحسينيات)، وهو التقسيم الذي أصبح من أسس الكلام في المصالح الشرعية.
2-الضروريات الخمس
لقد دأب العلماء عامة-والمقاصديون منهم خاصة-على اعتبار الضروريات الخمس(الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال)أسس الشريعة ومصالحها الكلية .وقد تحددت هذه الضروريات انحصرت واستقرت على هذا النحو منذ الإمام الغزالي، وأصبحت مند ئذ أسسا من أسس أي كلام في مقاصد الشريعة.
وإمام الحرمين هو أحد السباقين إلى إدراكها والتنبيه عليها.ومن إشارته في هذه المسألة ما جاء في قوله:”فالشريعة متضمنها مأمور به، ومنهي عنه، ومباح.
فأما المأمور به : فمعظمه العبادات… وأما المنهيات فأثبت الشرع في الموبقات منها زواجر…وبالجملة: الدم معصوم بالقصاص…والفروج معصومة بالحدود…والأموال معصومة عن السراق بالقطع…[42]
فهو في هذا النص قد نبه على حفظ الدين بالعبادات، وعلى حفظ النفس بالقصاص، وعلى حفظ النسل والعرض بحد الزنا وحد القذف، وعلى حفظ المال بالقطع.وبهذا يأتي الجويني في الدرجة الثانية بعد العامري- زمنا ووضوحا-في تحديد هذه الضروريات والتنبيه على أساسها.
وإن ما عرفته هذه الضروريات من تتميم وتهذيب، ومن تأصيل وتفصيل، على يد اللاحقين-الغزالي فمن بعده-مهما كانت قيمته يبقى مدينا للرواد الأوائل-العامري والجويني، وربما غيرهما- الذين تفتقت فطنتهم ونباهتهم عن هذه الملاحظات والاستنتاجات الرائدة.
3-وضع المصطلحات المقاصدية وإغناؤها
ابتكار المصطلحات وضبطها وتطويعها هو نوع من الأعمال التأسيسية في أي علم من العلوم، ذلك أن”العلم، من حيث كونه(علما)ينبني على ثلاثة أركان هي: المصطلح، والقاعدة، والمنهج.والركنان الأخيران ينطلقان من المصطلح ويعودان إليه…إذ أول ما يولد-عادة-من العلم هو(المفهوم)، أي (المعنى العلمي البسيط)الذي يشكل مضمون المصطلح في مرحلته الجنينية… إن الحاجة العلمية تدعو إلى وجود المفهوم، ثم يتردد ويتداول بلفظ، أو عدة ألفاظ، إلى أن يستقر في مصلح ما؛فيسجل بذلك أول بداية العلم”[43]
وإمام الحرمين بعقليته التأسيسية الريادية صاحب عطاء وغناء في مجال المصطلحات وضعا وتطويرا.ومن ذلك المصطلحات الآتية:
تقدم قبل قليل استعماله لمصطلي:الضرورات والحاجات . كما نجده يتحدث عن “الحاجة العامة”أو”حاجة الجنس”في مقابل حاجة الآحاد، أي الأفراد[44] . ولست أدري هل سبقه سابق إلى تقرير قاعدة”الحاجة تنزل منزلة الضرورة”؟وعلى كل فهو يقول:”البيع مستنده الضرورة، أو الحاجة النازلة منزلة الضرورة”[45] ويقول:”الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة…”[46] وأنا أورد الآن هذه القاعدة الآن بالدرجة الأولى من حيث الأوعية الاصطلاحية التي تحملها.
وبما أن مصطلح الحاجة- خلافا لمصطلح الضرورة- يكتنفه الغموض والإبهام، فقد عمل على ضبطه وتحديد مضمونه، خاصة وأن الأمر يتعلق بتنزيل الحاجة منزلة الضرورة في الترخصات واستباحة المحرمات. قال رحمه الله: “فإذا تقرر أن المرعي الحاجة، فإن الحاجة لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول. والمقدار الذي بان أن الضرورة وخوف الروح(أي خوف الموت) ليس مشروطا فيما نحن فيه كما يشترط في تفاصيل الشرع في الآحاد (أي في حق الأفراد)، في إباحة الميتة وطعام الغير.وليس من الممكن أن نأتي بعبارة عن الحاجة تضبطها ضبط التخصيص والتنصيص، كما تتميز المسميات والملقبات بذكر أسمائها و ألقابها، ولكن أقصى الإمكان في ذلك من البيان تقريب وحسن ترتيب ينبه عن الغرض…”[47]
والحقيقة أنه ضبط هذا المصطلح ضبطا علميا محكما، أكثر ضبطا وإحكاما حتى من الذين جاؤوا بعده كالغزلي والشاطبي، فقال:”لسنا نعني بالحاجة تشوق الناس إلى الطعام وتشوفها إليه، فرب مشته لشيء لا يضره الانكفاف عنه، فلا معتبر بالتشهي والتشوف.
فالمرعي إذا دفع الضرر واستمرار الناس على ما يقيم قواهم…فاقتطعنا من الإبهام التشوف والتشهي المحض من غير فرض ضرار من الانكفاف عن الطعام وقد لا يستعقب ضعفا ووهنا عاجزا عن التقلب في الحال، ولكن إذا تكرر الصبر على ذلك الحد من الجوع أورث ضعفا، فلا نكلف هذا الضرب من الامتناع.ويتحصل من مجموع ما نفينا وأثبتنا أن الناس يأخدون ما لو تركوه لتضرروا في الحال أو المآل…”[48]
وحتى مصطلح” مقاصد الشريعة”- بهذين اللفظين أو بهذا اللقب الإضافي- فإن أقدم استعمال له أعرفه و أذكره هو استعمال الجويني.
ففي رده على أبي حنيفة الذي يجوز الإحرام في الصلاة بغير لفظ التكبير ويرى أن تخصيص الإحرام بلفظ(الله أكبر)ليس بلازم قال:”فمن قال والحالة هذه:لا أثر لهذا الاختصاص، وإنما هو أمر وفاقي، فقد نادى على نفسه بالجهل بمقاصد الشريعة”[49]
وفي بيان مدى حاجة الدنيا إلى الدين، وحاجة الدين إلى الدنيا يقول:”ولكن الله تعالى فطر الجبلات على التشوف للشهوات، و ناط بقاء المكلفين ببلغة وسداد، فتعلقت التكاليف من هذه الجملة بالمحافظة على تمهيل المطالب والمكاسب وتمييز الحلال من الحرام وتهذيب مسالك الأحكام على فرق الأنام، فجرت الدنيا من الدين مجرى القوام و النظام من الذرائع إلى تحصيل مقاصد الشرائع, و من العبادات الرائقة الفائقة المرضية, في الإعراب عن المقاصد الكلية في القضايا الشرعية”…[50]
كما أن الإمام استعمل بغزارة عددا من المصطلحات المعبرة عن مقاصد الشريعة , مثل:”مباغي الشرع و مقاصده”[51] و مثل: المعاني،[52] و الكليات, والمصالح العامة.[53]
ومن التعابير اللطيفة الجامعة التي استعملها للدلالة على مجمل مقاصد الشريعة عبارة :الأغراض الدفعية والنفعية[54]. فهي تفيد أن مقاصد الشريعة ذات وجهين: دفع ونفع.وهو المعنى الذي عبر عنه فيما بعد بعبارة جلب المصالح ودرء المفاسد، وعبر عنه الجويني نفسه بقوله:”طلب ما لم يحصل، وحفظ ما حصل”[55] وهو الذي تبناه الغزالي وعبر عنه بقوله:” أما المقصود، فينقسم إلى ديني ودنيوي. و كل واحد ينقسم إلى تحصيل وإبقاء .وقد يعبر عن التحصيل بجلب المنفعة، وقد يعبر عن الإبقاء بدفع المضرة…”[56]
ومن المصطلحات البارزة التي أكثر إمام الحرمين من ذكرها وتنويع استعمالها:مصطلح الاستصلاح .وهو وعاء كبير من أوعية الفكر المقاصدي. فهو معبر عما تقدم ذكره من جلب المصالح ودرء المفاسد، وهما جماع مقاصد الشريعة وأغراضها.كما يعبر به عن مراعاة المصالح المرسلة وإعمالها واعتمادها في الاجتهاد والتشريع، كما يعبر به عن ذلك المنحى الإصلاحي العام للإسلام وشريعته، ولكافة الرسالات والشرائع المنزلة، كما جاء على لسان شعيب عليه السلام:(إن أريد الإصلاح ما استطعت)[57] وعلى لسان موسى خطابا لأخيه هارون عليهما السلام:(واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)[58]
وإمام الحرمين عبر عن هذه المعاني كلها بهذا المصطلح(الاستصلاح)؛ فهو يقرر أن “الشريعة مبنية على الاستصلاح “[59] ويرى أن هذا الأساس الاستصلاحي للشريعة واسع وشامل ومطرد في أحكامها وتفاصيلها إلى درجة أن “تفاصيل الاستصلاحات لا تطلع عليها العقول”[60]. ولذلك ليس لأحد أن يضاهي الشريعة في استصلاحاتها ويرخي العنان لنفسه ولعقله في حرية الاستصلاح، إذ ليس أحد معصوما كعصمة.
الشريعة، ولذلك فهو يرفض”الاسترسال في جميع وجوه الاستصلاح ومسالك الاستصواب”[61] فهو وإن كان يقر ويقرر –مثلا-أن “الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة”[62] فهو ينكر على الحكام تماديهم في ممارسة كل ما يرونه استصلاحا على غير هدى من الله ولا سند من شرعه.
هذه بعض الأمثلة من الاستعمالات الكثيرة والمتنوعة لمصطلح الاستصلاح عند إمام الحرين. واستعماله لهذا المصطلح من أقدم الاستعمالات المعروفة إلى الآن، حتى إن بعض الدارسين اعتقدوا أنه أول من استعمله.وهذا ما مال إليه كل من الشيخ الخضري، وبعده الدكتور عبد العظيم الديب الذي يقول:”ولعل إمام الحرمين هو أول من سمى المصلحة المرسلة استصلاحا، فإن الخضري رحمه الله في كتابه(أصول الفقه)-303- يقول:”يسميه الغزالي الاستصلاح”أي:يرى أن أول من سماه بذلك الغزالي.ولما كان إمام الحرمين شيخ الغزالي، ووجدناه يسميه بذلك، فلا شك أن الغزالي أخذ هذا عن إمام الحرمين.”[63]
والحقيقة أن مصطلح الاستصلاح مستعمل قبل الجويني عند القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفي سنة415هـ، فقد جاء في كتابه(المغني في أبواب التوحيد والعدل):”فصل في معنى وصف اللطف بأنه صلاح ومصلحة واستصلاح…”ثم قال:”فأما وصفه بأنه استصلاح، فإنه يفيد أن غيره قصد بفعله صلاحه…وعلى هذا الوجه نصف القديم تعالى بأنه قد استصلح المكلف بالألطاف وغيرها…”[64]
وقبلهما معا ورد استعماله كثيرا عند القفال الكبير كما تقدم في الفقرة المخصصة له.
بعد الجويني وقبل الشاطبي
الكتابات عن مقاصد الشريعة فيما بعد الجويني، وإلى الشاطبي ، جعلت هذه المرحلة مكشوفة و مضاءة بدرجة جيدة بفضل الأبحاث و الدراسات الكثيرة التي أنجزت حول هذه الحقبة و أعلامها، ابتداء بأبي حامد الغزالي و انتهاء بأبي إسحاق الشاطبي، مرورا بأبي الوليد بن رشد، وأبي بكر بن العربي، و فخر الدين الرازي، و سيف الدين الآمدي، و عز الدين بن عبد السلام، و شهاب الدين القرافي، و نجم الدين الطوفي، و ابن تيمية، و ابن قيم الجوزية.
فهؤلاء جميعا نشرت و ذاعت ودرست كتبهم وأفكارهم وإسهاماتهم المقاصدية، على ما بينها من تفاوت كبير، كما و كيفا.
ولعل في القائمة البييليوغرافية التي أعدها الدكتور محمد كمال إمام و نشرها في العدد الخاص من مجلة (المسلم المعاصر) بيانا وافيا لذلك. ولهذا لا أطيل في الحديث عن هذه الحقبة التي تمتد أربعة قرون، و أقتصر منها على تسجيل النقط الآتية:
– للإمام أبي حامد الغزالي( 505ت) مكانة عالية وتأثير بليغ في مسار الفكر المقاصدي منذ زمنه وإلى الآن، و له إبداعاته و سوابقه في التطوير والارتقاء بهذا الفكر. و لو أن معظم ذلك نجد أصوله و بذوره عند شيخه الإمام الجويني.
و قد استقص الباحث المغربي الأستاذ محمد عبدو عناصر الجدة و السبق في الفكر المقاصدي لأبي حامد، مما تكرر لاحقا عند الشاطبي، فذكر من ذلك[65]:
1- تقسيم المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية.
2- مقاصد الشرع يتم حفظها من جهتي الوجود و العدم (الحفظ الوجودي والحفظ العدمي).
3-المصالح التحسينية تنعطف على الضرورية و الحاجية انعطاف التتمة و التكملة
4- فقدان المصالح التحسينية لا يلزم منه فقدان الضرورية و لا الحاجية.
5- كل قسم من الأقسام الثلاثة له أذياله و مكملاته.
6- المصالح المكملة لغيرها إنما تعتبر بشرط ألا تعود على أصلها بالإبطال.
7- قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصد الشارع في التشريع.
ومن أهم أوائل الإمام الغزالي كذلك، ما قرره وكرره من كون المصالح الضرورية(الضروريات الخمس) محفوظة في كافة الشرائع المنزلة، وأنه “يستحيل أن لا تشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق. ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر، والقتل، والزنا، والسرقة، شرب السكر”[66]
إذا كان الإمام الغزالي قد تحدث كثيرا عن الضروريات الخمس، واشتهرت على يده تسميتها وأمثلتها ومكملاتها، وكذلك ترتيبها، على هذا النحو: (الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال)فإن سيف الدين الآمري قد يكون الأول الذي توقف عند مسألة ترتيب الضروريات الخمس، فناقش وعلل وعدل. وقد اختار تقديم النسل على العقل،[67] خلافا للغزالي الذي دأب على تقديم العقل على النسل.
أما بقية الأصوليين التقليديين من مختلف المذاهب، فلا نكاد نجد عندهم شيئا يستحق التسجيل والذكر.بل نجد مصنفاتهم -على العموم- تمثل تراجعا ونزولا مستمرا نحو الصورية والعقم والانحطاط عن المستوى الأصولي والمقاصدي الذي وصله الجويني والغزالي.
لكن بجانب هذا الخط الأصولي التقليدي، وربما خروجا عليه، نجد في هذه الحقبة عددا من فطاحل العلماء المتحررين المجددين.فبعض هؤلاء استمر معهم النمو والازدهار للفكر المقاصدي تنظيرا وتطبيقا، حتى وصل الأمر إلى الشاطبي.
وأذكر من هؤلاء على وجه الخصوص:ابن عبد السلام و تلميذه القرافي، ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
ومن بين هؤلاء، يتميز الإمام عز الدين بن عبد السلام، بشيء لم يفعله أحد قبله ولا بعده في العصور السابقة، وهو تناوله المفصل والمعمق ـ النظري والتطبيقي- لموضوع المصالح والمفاسد، وذلك في كتابه“قواعد الأحكام في مصالح الأنام”، وهو محقق مطبوع متداول، فلا أطيل في التعريف به ولا في تحليل مضامينه.[68]
وفي هذه الحقبة أيضا نجد تصنيف كتابا آخر على النمط الفقهي التعليلي، وهو(محاسن الاسلام وشرائع الاسلام)للفقيه الحنفي أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان البخاري(ت546)، وهو يشبه-اسما ومضمونا- كتاب (محاسن الشريعة) للقفال الكبير، إلا أنه متأخر عنه زمنا ومستوى.
الشاطبي مؤسس علم المقاصد
إذا كان الإمام محمد بن إدريس الشافعي قد اعتبر مؤسس”علم أصول الفقه”، بالرغم من أنه لم يدع ذلك، بل مات رحمه الله، وهو لا يعرف حتى مصطلح”علم أصول الفقه”فكذلك الشأن مع إمامنا أبي اسحاق الشاطبي الغرناطي، الذي اعتبره الكثيرون مؤسس”علم مقاصد الشريعة”بالرغم من أنه لم يدع ذلك، ولا استعمل هذا اللقب.
الإمام الشاطبي أصبح رديفا لمقاصد الشريعة، فلا يكاد يذكر إلا ذكرت معه، و لا تذكر إلا ذكر معها.
وقد طارت شهرته وذاع صيته، وكتب عنه في زمننا من المؤلفات ومن الأبحاث والمقالات ما لا يكاد يحصى. فلذلك ليس من اللائق أن أطيل وأفصل في الحديث عنه وعن مكانته في الشريعة، لاسيما وأنني أحد الذين كتبوا كتبا عن الشاطبي.[69]
ولكن هذا لا يمنع من ذكر رؤوس بعض المسائل
-المسألة الأولى ما جاء في عنوان هذه الفقرة، وهو تأسيس”علم مقاصد الشريعة”.
فكل الذين يؤمنون بانبثاق هذا العلم وتميزه، أو يؤمنون بضرورة ذلك وفائدته، أو أنه آخذ طريقه نحو التبلور والاستقلال ، كل هؤلاء يعتبرون أن عمل الشاطبي كان عملا تأسيسيا في هذا المضمار.
وقد اشتهر العلامة محمد الطاهر ابن عاشور بأنه أول من دعا إلى تأسيس علم جديد، يستقل عن علم أصول الفقه ويتكامل معه، هو (علم مقاصد الشريعة). ولكنه هو نفسه يردف قائلا بعد دعوته تلك:
“والرجل الفذ الذي أفرد هذا الفن بالتدوين هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي، إذ عني بإبرازه في القسم الثاني من كتابه المسمى(عنوان التعريف بأصول التكليف في أصول الفقه)[70]، وعنون ذلك القسم بكتاب المقاصد”[71]
-المسألة الثانية، هي أن الشاطبي جمع ما تفرق عند غيره وما تراكم وتطور عند سابقيه، لكن جمعه هذا كان عملا بنائيا منسقا، مع مزيد من البيان والتتميم، ليخرج ذلك كله على شكل نظرية متكاملة في مقاصد الشريعة.
-المسألة الثالثة: مما هيأ لاكتمال هذا البناء على يد الشاطبي، إلى حد أصبحنا معه اليوم نتحدث-ىمتفقين أو مختلفين- عن”علم المقاصد”، كونه افتتح الكلام في أبواب جديدة تتعلق بمقاصد الشريعة، منها:
مقاصد المكلف في علاقتها بمقاصد الشارع،
ومنها علاقة المقاصد بالاجتهاد ومدى توقفه عليها،
ومنها طرق إثبات المقاصد.
فهو في هذه المباحث كلها مبتكر و مجدد ومؤسس.[72]
-المسألة الرابعة: إن الاستفادة من عمل الشاطبي لم تحصل لا في زمن الشاطبي ولا في القرون التي أعقبته، لأن الزمن الإسلامي كان قد توقف و تجمد، إلى أن تحرك من جديد في غصون قرن مضى، يزيد أو ينقص…
ابن عاشور يستأنف البناء
منذ أن تعرفت على التراث العلمي للعلامة محمد الطاهر ابن عاشور، واستوعبت قيمته وأهميته، وأنا أعرب عن أسفي لما أصابه من حيف وإهمال.وكثيرا ما كنت أقول:ماذا لو كان ابن عاشور مصريا أو شاميا أو سعوديا؟
فالانتماء التونسي والمغربي الإفريقي عموما، هو نفسه جزء من المشكلة، فهي مشكلة تاريخية جغرافية قديمة.
ولكن الجزء الأكبر في المشكلة هو ما نجم عن الانقلاب الكبير والشامل الذي عرفته تونس في مرحلة ما بعد الاستقلال، وخاصة في الوضع الديني والثقافي والفكري، الذي لم يبق فيه مكان ولا مكانة لابن عاشور وأمثاله.
ولعل أول كتاب كامل يصدر حول ابن عاشور، هو الذي أصدره المعهد لعالمي الفكر الإسلامي، وهو(نظرية المقاصد عند الإمام ابن عاشور) للدكتور إسماعيل الحسني (صدر سنة 1995)، ثم تبعه كتاب الدكتور بلقاسم الغالي(شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور)(نشر في لبنان سنة 1996) وفي السنة الماضية(2004)صدرت من لندن طبعة جديدة مع دراسة جيدة، لكتاب ابن عاشور(مقاصد الشريعة الإسلامية) للأستاذ محمد الطاهر الميساوي.
وأخيرا صدر أهم عمل علمي عن ابن عاشور، وهو لتلميذه العلامة محمد الحبيب ابن الخوجة، وللأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.وقد طبع على نفقة أمير دولة قطر.هذا الكتاب يحمل اسم(محمد الطاهر ابن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية)وهو في ثلاثة مجلدات ضخمة، هي:
-الجزء الأول:شيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور.
-الجزء الثاني:بين علمي أصول الفقه والمقاصد.
-الجزء الثالث:مقاصد الشريعة الإسلامية، لشيخ الإسلام، الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور(تحقيق ومراجعة) هذه المؤلفات، فضلا عن أبحاث ومقالات وفقرات أخرى، قد جعلت الشيخ ابن عاشور يتبوأ الآن شيئا فشيئا مكانته، ويصبح أكثر فأكثر معروفا هو وكتبه، وخاصة منها كتابه(مقاصد الشريعة الإسلامية). فلهذه الأسباب، أجدني، مرة أخرى، في غنى عن التطويل والتفصيل في الحديث عنه، وأقتصر على العناصر الأكثر جدارة بالذكر في هذا السياق.
1- عمل ابن عاشور في مجال الدراسات المقاصدية شبيه بعمل الشاطبي، من حيث طابعه التأسيسي، فهو- كما صرح بنفسه- يقتفي أثره، ويبني على ما أسسه، ثم يضيف ما عنده.ولقد أحسن الأستاذ محمد الطاهر الميساوي حين وصف ابن عاشور بأنه “المعلم الثاني” بعد “المعلم الأول” الذي هو الشاطبي[73].
فابن عاشور واصل الكلام في أهمية المقاصد ومدى احتياج الفقه والاجتهاد الفقهي إليها.
كما واصل الكلام في طرق إثبات المقاصد، .بالإضافة إلى مزيد من التعمق في القضايا المألوفة، كالمصالح وأقسامها…
2-من أبرزها ما أضافه ابن عاشور, هو ذلك النوع من المقاصد الذي خصص له القسم الثالث من كتابه, و سماه”مقاصد التشريع الخاصة بأنوع المعاملات “، و أدرج تحته:
-مقاصد أحكام العائلة.
-مقاصد التصرفات المالية .
-مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على الأبدان
-مقاصد أحكام القضاء والشهادة
– المقصد من العقوبات
لقد كان الكلام في مقاصد الشريعة قبل ابن عاشور ينصرف إما إلى المقاصد العامة، وهي التي خصص لها القسم الثاني، وسماها “مقاصد التشريع العامة”، وإما إلى مقاصد الأحكام التفصيلية، أي المفاصل الجزئية، فلما جاء ابن عاشور كشف عن مستوى آخر من المقاصد، يتوسط بين العامة والجزئية، وهو ما يتعلق بمجال تشريعي معين، كالمجالات التي ذكرها.
3- ابن عاشور هو أول من نادى صراحة بتأسيس علم جديد هو “علم المقاصد”[74]، ويبدو أنه كان يؤلف كتابه على هذا الأساس.
4- لا بد من الاعتراف بأن الطفرة التي أحدثها ابن عاشور في مجال مقاصد الشريعة، متمثلة في العناصر الثلاثة السابقة، وأيضا في كونه أدخل الدراسة المقاصدية في البرنامج الدراسي لجامعة الزيتونة، وفي فكره المقاصدي المبثوت في عامة إنتاجه الفقهي والأصولي والتفسيري والحديثي والفكري، هذه الطفرة لم تنبت من فراغ، ولم تأت بغتة، بل هي مسبوقة ومعززة بالحركة الإصلاحية التجديدية الشاملة التي كانت تعتمل آنذاك لدى علماء مصر وتونس والجزائر والمغرب وغيرهم. وتعززت كذلك بنشر كتاب(المواقفات) الذي طبع في حياته عدة مرات بتونس ومصر، وقام هو نفسه بتدريسه للطلبة الزيتونيين . فابن عاشور مدين لكل هذه العوامل التي جنى ثمرتها.
الصحوة المقاصدية المعاصرة.
1ـ في سياق العناصر المشار إليها في الفقرات السابقة، وبعد سنوات من صدور كتاب ابن عاشور، نجد الزعيم والعلامة المغربي علال الفاسي(ت1974)
يحمل راية المقاصد والفكر المقاصدي على نطاق واسع في عدد من المؤسسات الجامعية المغربية، ويتوج ذلك بتأليف كتابه(مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها)، وهو الكتاب الذي يقول عنه:”وكان أصله محاضرات ألقيتها على كل من طلبة الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، وطلبة كلية الحقوق بنفس الجامعة بفاس، وطلبة كلية الشريعة بجامعة القرويين من نفس المدينة “[75]
وهذا ـ كما لا يخفى- توسع كبير في تدريس مقاصد الشريعة وتلقين قضاياها ونشر ثقافتها، وإخراج لها من الحيز الضيق الذي كان لا يتجاوز- في أحسن الحالات- خاصة الخاصة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر وترسخ وتضاعف أضعافا كثيرة. فبعد سنوات قليلة من وفاة علال الفاسي رحمه الله، نجح بعض رفاقه وتلاميذه في افتتاح أقسام للدراسات الإسلامية في كليات الآداب والعلوم الإنسانية، وهي الكليات التي توجد في جميع الجامعات المغربية، حيث جعلت فيها “مقاصد الشريعة” مادة دراسة مستقلة يدرسها آلاف الطلبة بصفة منتظمة طيلة سنتهم الجامعية. هذه السنة الحسنة ما لبثت أن انتقلت واتسعت، وعمل بها في مستويات ومؤسسات جامعية أخرى بالمغرب وخارج المغرب. وهذا هو التطور التاريخي الأعظم الذي عرفته مقاصد الشريعة والدراسات المقاصدية منذ كانت. بل إن هذا التطور أصبح يخدم مقاصد الشريعة في سنة واحدة بأضعاف مضاعفة عما كان يحصل على مدى قرون. ذلك أن الأمر لم يقف عند تدريس المقاصد لألوف الطلاب في عدد من الجامعات عبر العالم، بل امتد إلى البحت العلمي، الجامعي وغير الجامعي، وامتد إلى حركة التأليف والنشر، وامتد إلى المجالات والندوات المتخصصة.
وها نحن اليوم نتدارس مبادرة كريمة، هي الأولى في بابها، لتأسيس “مركز دراسات مقاصد الشريعة”.
فهذا ما أعنيه بالصحوة المقاصدية المعاصرة.
مستقبل البحث في مقاصد الشريعة
البحث في مقاصد أضحى اليوم ينمو ويتسع بوتيرة لم يسبق لها مثيل، سواء في الجامعات أو خارجها. غير أن ذلك يجري بكثير من العفوية أو العشوائية، مما يؤكد الحاجة الملحة لكثير من التفكير والتخطيط والتوجيه، من أجل ترشيد البحث المقاصدي. بين يدي ذلك أضع فيما يلي بعض الخطوط العريضة التي يمكن اعتمادها في هذا المجال.
أولا ـ الدراسة المقاصدية للقرآن والسنة:
لقد تحقق قدر معتبر من النشر والدراسة للمؤلفات والإسهامات المقاصدية لعدد من علمائنا، من فقهاء وأصوليين ومتكلمين وغيرهم. ولقد أصبح الآن لزاما التوجه إلى الدراسة المقاصدية المباشرة لنصوص القرآن والسنة، لأن مقاصد الشريعة ـ في البدء وفي النهاية ـ إنما هي مقاصد الكتاب والسنة لا أقل ولا أكثر، فإذا كنا نلتمس المقاصد ونستخرجها من كتب الفقه وكتب الأصول وغيرها، فأولى بنا الآن أن نلتمسها ونستخرجها من القرآن الكريم والسنة النبوية. فإنما المقاصد مقاصدهما، وإنما الأصول أصولهما. قال الإمام الشاطبي وهو يحكي رحلته مع المقاصد ومع كتاب (الموافقات): « ولما بدا من مكنون السر ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى،لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده تفاصيل وجملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده مبينا لا مجملا، معتمدا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة في بيان مقاصد الكتاب والسنة”[76]
ثم قال رحمه الله في موضع آخر”إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر… وإذا كان كذلك، لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الليالي والأيام… ولا يقدر على ذلك إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب.[77]“
على أن مقاصد القرآن والسنة ليست محصورة في آيات الأحكام وأحاديث الأحكام. بل كل الآيات والأحاديث لها مقاصدها،ويجب أن تدرس وتفهم بمقاصدها. فالقصص القرآني له مقاصده، والأدعية القرآنية والنبوية لها مقاصدها[78]، وضرب الأمثال في القرآن والسنة له مقاصده، كما للآيات والأحاديث التشريعية مقاصدها. وما ذكره ابن بطال وابن القيم من كون القرآن والسنة مليئين بآلاف التعليلات والتنبيهات المقاصدية، يجب استقصاؤه واستخراجه ودراسته بالكامل، وهذا وحده يتطلب عدة أبحاث ومؤلفات.
ثانيا: مقاصد العقائد
وهذا المجال في تقديري هو أهم المجالات والآفاق التي على البحث المقاصدي ارتيادها وإلحاقها بمجالات الدراسات المقاصدية، وأعني به البحث في (مقاصد العقيدة الإسلامية)، تماما مثلما بحث السابقون ويبحث المعاصرون في(مقاصد الشريعة الإسلامية). وليست شرائع الإسلام أولى بالعناية وبالبحث عن مقاصدها من عقائد الإسلام. فلماذا نجد الحديث ينمو ويتكاثر عن مقاصد الأحكام ولا نجد شيئا عن مقاصد العقائد؟ !
ففي الفقه والتشريع كانت مقاصد الأحكام حاضرة ومؤثرة في الفهم والاستنباط والاجتهاد والتطبيق، مما جعل الحديث عن مقصود الشرع، ومقصود الحكم، وحكمة الشريعة ومقاصد الشريعة، حديثا مألوفا ومعتمدا عند عامة علماء الفقه وعلماء أصول الفقه.
أما مجال العقائد(علم التوحيد وعلم الكلام) فقد خلا تقريبا من النظر المقاصدي، وكأن عقائد الإسلام ليس لها مقصد ولا غرض ولا ثمرة ترجى، وأن على المكلف أن يعتقدها ويعقد عليها قلبه ليس إلا. وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فإنه قد يهون، ولكن الذي حصل ونتج عن تغييب مقاصد العقائد هو اتخاذ مقاصد غير مقاصدها،تم تنفيدها من الخصوم المناوئين، والرد عليها بما يضادها. وأدخلت العقائد الإسلامية- تلك البسيطة البريئة- في متاهات ذهنية خيالية أفقدتها قيمتها وفائدتها، وصرفتها عن مقاصدها وعن بعدها العلمي.
أنا أنطلق من أن لكل عقيدة من عقائد الإسلام(الإيمان بالله،صفات الله وأسماؤه الحسنى،النبوات،القضاء والقدر، الملائكة، اليوم الآخر، الجنة،النار، الصراط،الثواب، العذاب…) كل عقيدة من هذه العقائد، وضمنها عقائد جزئية، لها مقصودها الشرعي أو مقاصدها. وهي مقاصد-كمقاصد الأحكام التشريعية-مصرح ببعضها، أو مومأ إلى بعضها، وبعضها يدرك بالبداهة والفطرة، أو يدرك بالنظر والربط والاستنتاج. بل إن مقاصد العقائد تدرك أيضا من خلال مقاصد الشريعة مثلما العكس أيضا. فإن الشرائع والعقائد ملة واحدة ذات مقاصد واحدة.
المهم: لكي تستعيد عقائدنا وجهها الحقيقي وتؤدي دورها الحقيقي، وتستعيد موقعها الأساسي في حياتنا وعلومنا وثقافتنا، لابد من البحث في مقاصدها الشرعية، ودراستها والتعامل معها في ضوء مقاصدها تلك.
فهذا مجال كبير وبكر من مجالات(علم المقاصد)، يحتاج إلى باحثين أفذاذ ومستكشفين رواد.
وقد انشغلت بهذا الموضوع وتهممت به منذ عدة سنوات، حيث عرجت بي بعض الناسبات على نقاشات وقراءات في بعض القضايا العقدية. وكنت فيما قبل قد تعاملت كأي طالب علم مع هذا المجال وقضاياه وتقبلته على ما هو عليه، ثم مضيت إلى شيء من التخصص والتركيز في مجالي الأصول والمقاصد وغيرهما. فلما
عدت مؤخرا إلى بعض المراجعات والمناقشات العقدية، هالني أن أجد العقائد بلا مقاصد !ونما في نفسي هم وقلق شبيه بذلك الذي عبر عنه أبو الوليد بن رشد رحمه الله بقولــه : ” فإن النفس مما تخلل هذه الشريعة من الأهواء الفاسدة والاعتقادات المحرفة في غاية الحزن والتألم[79]“
وأنا إلى الآن أتعجب وأتساءل: كيف ظهر في المسلمين(علم مقاصد الشريعة) ولم يظهر فيهم(علم مقاصد العقيدة) !؟
ولقد كدت أستسلم لمقولة (الواقع لا يرتفع)، ولكن نظرا لأهمية القضية وخطورتها وشدة إلحاحها علي، بدأت أفكر وأقتنع بأن هذا الواقع لابد أن يرتفع . فإذا لم أكن أنا متخصصا في مجال العقائد ولا قادرا على التفرغ له، فلأكن فيه داعيا ومناديا. وفي هذا السياق تأتي إثارتي لهذه القضية ودعوتي إلى بحثها ومعالجتها فيما يستقبل من مسيرة البحث المقاصدي.
ثالثا: طرق إثبات المقاصد
هذا الموضوع كما لا يخفى هو مفتاح الكشف والإثبات لمقاصد الشريعة. وهو أيضا المفتاح الذي به نغلق الباب على أدعياء المقاصد والمتقولين على المقاصد، والمتقولين على الشريعة وأحكامها باسم المقاصد.
فحينما يصبح القول في مقاصد الشريعة وتحديدها وتعيينها وترتيبها عملا علميا دقيقا ومضبوطا له أصوله ومسالكه وقواعده، يمكننا أن نتقدم بثبات وثقة في مزيد من الكشف عن مقاصد الأحكام، إتماما- ولربما تصحيحا- لما قام به أسلافنا من فقهاء وغيرهم. على مر العصور.
كما أن هذا سيغلق الباب على الطفيليين ودعاة التسيب باسم المقاصد والاجتهاد،الذين أصبح شعارهم” لا نص مع الاجتهاد” و”حيثما كان رأينا فتلك هي المصلحة” و”حيثما اتجه تأويلنا وغرضنا فتلك هي مقاصد الشريعة “.
نعم لقد بذلت مجهودات، وكتبت أبحاث وفصول ومقالات في هذا الموضوع، من ذلك بحث الأستاذ فريد شكري، المقدم بهذه الكلية، وبحث الدكتور نعمان جغيم، وهو مطبوع بعنوان(طرق الكشف عن مقاصد الشارع)،ولكنها تظل حتى الآن قاصرة كما وكيفا عن سد هذه الثغرة وإيفائها حقها، بما يتناسب مع أهميتها وخطورتها.
رابعا: إعمال المقاصد واعتمادها في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر.
إن مقاصد الشريعة – العامة منها والجزئية- تمثل ثوابت الإسلام ومراميه وأسسه العقدية والتشريعية ولذلك فهي تمثل عنصر الثبات والوحدة والانسجام لحركة الفكر الإسلامي في مختلف قضاياه وجوانبه.
ومن جهة ثانية فإن الفكر الإسلامي المعاصر قد أصبح عرضة- أكثر من أي وقت مضى – لتأثيرات قوية نافذة من الفكر الغربي الحديث، مما يوسع من احتمالات الاختلاف والتباعد، ليس بين رواده ومدارسه فحسب، ولكن التباعد حتى عن بعض ضوابط الإسلام ومقتضياته وعن صبغته وطبيعته.
ومقاصد الشريعة بما تتضمنه وتبرزه من كليات وثوابت، ومن شمولية وتناسق في النظر إلى الأمور، وبما تتضمنه من مراتب وأولويات، هي خير مؤسس وموجه وموحد للفكر الإسلامي في مختلف القضايا التي يواجهها ويعالجها اليوم، سواء منها العقدية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التربوية…، ولا نبالغ إذا قلنا إن”الفكر الإسلامي”لا يكون جديرا بهذه الصفة إلا بقدر ما يتمثل مقاصد الشريعة ويصطبغ بها، ويترجمها إلى إجابات وحلول لقضايا العصر وإشكالاته وتحدياته.
وعلى هذا الأساس يمكن أي تناول أي قضية من القضايا التي تشغل الفكر المعاصر، والفكر الإسلامي خاصة،ودراستها من عدة زوايا يكون من بينها أو في مقدمتها زاوية مقاصد الإسلام ومقاصد شريعته، بحيث تتخذ معيارا وحكما.
وبالله تعالى التوفيق والحمد لله رب العالمين.
الرباط 14 ذي الحجة1425
24 يناير2005
[1] سورة [الأنبياء:107].
[2] الجامع لأحكام القرآن2/64
[3] الموافقات 1/139
[4] – أعلام الموقعين3/3
[5] – حجة الله البالغة1/27، وانظر كذلك تعليل الأحكام في الشريعة الإسلامية للشيخ محمد مصطفى شلبي، ص96
[6] – أعلام الموقعين
[7] -الموافقات1/25
[8] -الموافقات1/25
[9] -مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة2/22، وانظر كذلك “أعلام الموقعين”1/169إلى200 وشفاء العليل2/537إلى 575
[10] -شرح ابن بطال9/19، وابن بطال فقيه مالكي أندلسي، (ت449) وشرحه هذا من أعظم شروح صحيح البخاري، وقد اعتمد عليه كثيرا صاحب فتح الباري، وخاصة في الفقه.
[11] ـ كتاب القبس في شرح موطإ مالك بن أنس 2/802
[12] ـ نفسه ص 91
[13] ـ من القسم الأول إلى آخر كتاب النكاح
[14] محاسن الشريعة، القسم المحقق، ص: 90
[15] -نفسه 91
[16] -نفسه 94
[17] ـ نفسه 708
[18] ـ نفسه 111
[19] ـ نفسه 111
[20] ـ محاسن الشريعة، ص 504، 505
[21] ـ نفسه ص: 122
[22] ـ انظر الهوامش في ص 109 و112
[23] ـ -حققه الأستاذ حسني نصر زيدان، ونشر بمصر(دار الكتاب العربي)
[24] – الصلاة ومقاصدها، ص12
[25] ـ حققه الدكتور خالد زهري، ونشرته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط
[26] ـ -حققه الأستاذ حسني نصر زيدان، ونشر بمصر(1970)
[27] مطبوع في مجلد واحد من جزأين
[28] للمقارنة بين الرجلين، أنظر”تعليل الشريعة بين السنة والشيعة، الحكيم الترمذي وابن بابوي القمي نموذجين”لخالد الزهري
[29] ـ الإعلام بمناقب الإسلام.ص125
[30] ـ المصدر نفسه، ص150
[31] ـ المحصول 2-2/242. وسيأتي قريبا استعمال القاضي عبد الجبار لمصطلح” الاستصلاح “و سبقه بذلك للجويني والغزالي الذين اشتهرا باستعماله.
[32] ـ البرهان، 2/923
[33] ـ البرهان، 2/923و927
[34] ـ البرهان، 2/924و937
[35] البرهان، 2/924 و937
[36] ـ البرهان، 2/925و94.
[37] ـ البرهان، 2/947.
[38] ـ البرهان، 2/926.
[39] ـ البرهان، 2/926.
[40] ـ البرهان، 2/958.
[41] ـ البرهان، 2/958.
[42] ـ البرهان
[43] ـ الدكتور فريد الأنصاري:المصطلح الأصولي عند الشاطبي، 1/38، (أطروحة دكتوراه بخزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية-المغرب)
[44] ـ البرهان, 2/602.
[45] ـ البرهان, 2/607
[46] ـ البرهان, 2/606 و الغياثي: 295.
[47] ـ الغياثي: 295 – 296
[48] ـ نفسه، 296
[49] ـ البرهان، 2/624
[50] ـ الغياثي:147
[51] ـ الغياثي:49
[52] ـ النظر على سبيل المثال:البرهان 2/724-726
[53] ـ النظر على سبيل المثال:الغياثي:253والبرهان:2/875
[54] ـ البرهان2/604
[55] ـ الغياثي:158
[56] ـ شفاء الغليل159
[57] ـ سورة هود:88
[58] ـ سورة الأعراف 142
[59] ـ البرهان2/800
[60] ـ البرهان2/610
[61] ـ الغياثي269-270
[62] ـ الغياثي ص: 140
[63] ـ فقه إمام الحرمين262
[64] ـ المغني 13/20
[65] ـ أنظر (الفكر المقاصدي عند الإمام الغزالي، الفصل الأخير) رسالة جامعية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط.
[66] ـ المستصفى1/288
[67] ـ الإحكام 4/380
[68] ـ وانظر أطروحة الدكتور عمر بن صالح بن عمر(مقاصد الشريعة عند الإمام عز الدين بن عبد السلام)
[69] ـ أعني بذلك كتابي(نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي)
[70] ـ يقصد كتاب(الموافقات) الذي كان الشاطبي قد اختار له في البداية اسم(عنوان التعريف بأسرار التكليف)بهذه الصيغة وليس كما ورد عند الشيخ بن عاشور، دون أن يصححه أو ينبه على خطئه أحد من الناشرين ولا من المحققين.
[71] ـ مقاصد الشريعة الإسلامية، بتحقيق الميساوي، ص128-129
[72] ـ راجع تفصيل ذلك في (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي)، وخاصة الباب الرابع، الأخير.
[73] ـ مقاصد الشريعة الإسلامية، مقدمة المحقق ص103
[74] ـ مقاصد الشريعة، بتحقيق الميساوي، ص127
[75] ـ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، (تقديم الكتاب)
[76] ـ الموافقات 1/ 9 طبعة دار ابن عفان1417/1997
[77] ـ الموافقات 4/144
[78] ـ قد يرى البعض أن الأدعية –على سبيل المثال- مقصودها واضح معروف،وهو ابتغاء الاستجابة وتحقيق مضمونها من الله تعالى.وهذا مسلم لاشك أنه المقصود الأول والمباشر للدعاء.لكن الدعاء يتضمن قضايا ومقاصد عقدية وتعليمية وتربوية وتشريعية. فهذا ما أدعو إلى دراسته وبيانه واستثماره.ومنذ مدة وأنا أقترح على بعض الطلبة الباحثين موضوع (فقه الدعاء ومقاصده) ولا أعلم أن أحدا قد بحثه.
[79] ـفصل المقال، ص57/58.