عن الإمام الطاهر بن عاشور
عن الإمام الطاهر بن عاشور
يقول الدكتور أحمد الريسوني :
ابن
عاشور يستأنف البناء
منذ أن
تعرفت على التراث العلمي للعلامة محمد الطاهر ابن عاشور، واستوعبت قيمته وأهميته،
وأنا أعرب عن أسفي لما أصابه من حيف وإهمال.وكثيرا ما كنت أقول:ماذا لو كان ابن
عاشور مصريا أو شاميا أو سعوديا؟
فالانتماء
التونسي والمغربي الإفريقي عموما، هو نفسه جزء من المشكلة، فهي مشكلة تاريخية
جغرافية قديمة.
ولكن
الجزء الأكبر في المشكلة هو ما نجم عن الانقلاب الكبير والشامل الذي عرفته تونس في
مرحلة ما بعد الاستقلال، وخاصة في الوضع الديني والثقافي والفكري، الذي لم يبق فيه
مكان ولا مكانة لابن عاشور وأمثاله.
ولعل أول
كتاب كامل يصدر حول ابن عاشور، هو الذي أصدره المعهد لعالمي الفكر الإسلامي،
وهو(نظرية المقاصد عند الإمام ابن عاشور) للدكتور إسماعيل الحسني (صدر سنة 1995)، ثم
تبعه كتاب الدكتور بلقاسم الغالي(شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور)(نشر في
لبنان سنة 1996) وفي السنة الماضية(2004)صدرت من لندن طبعة جديدة مع دراسة جيدة،
لكتاب ابن عاشور(مقاصد الشريعة الإسلامية) للأستاذ محمد الطاهر الميساوي.
وأخيرا
صدر أهم عمل علمي عن ابن عاشور، وهو لتلميذه العلامة محمد الحبيب ابن الخوجة،
وللأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.وقد طبع على نفقة أمير دولة قطر.هذا الكتاب
يحمل اسم(محمد الطاهر ابن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية)وهو في ثلاثة
مجلدات ضخمة، هي:
-الجزء الأول:شيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور.
-الجزء الثاني:بين علمي أصول الفقه والمقاصد.
-الجزء الثالث:مقاصد الشريعة الإسلامية، لشيخ الإسلام، الإمام الأكبر
محمد الطاهر ابن عاشور(تحقيق ومراجعة) هذه المؤلفات، فضلا عن أبحاث ومقالات وفقرات
أخرى، قد جعلت الشيخ ابن عاشور يتبوأ الآن شيئا فشيئا مكانته، ويصبح أكثر فأكثر
معروفا هو وكتبه، وخاصة منها كتابه(مقاصد الشريعة الإسلامية). فلهذه الأسباب،
أجدني، مرة أخرى، في غنى عن التطويل والتفصيل في الحديث عنه، وأقتصر على العناصر
الأكثر جدارة بالذكر في هذا السياق.
1- عمل ابن عاشور في مجال الدراسات المقاصدية شبيه بعمل الشاطبي، من حيث
طابعه التأسيسي، فهو- كما صرح بنفسه- يقتفي أثره، ويبني على ما أسسه، ثم يضيف ما
عنده.ولقد أحسن الأستاذ محمد الطاهر الميساوي حين وصف ابن عاشور بأنه “المعلم الثاني”
بعد “المعلم الأول” الذي هو الشاطبي .
فابن
عاشور واصل الكلام في أهمية المقاصد ومدى احتياج الفقه والاجتهاد الفقهي إليها.
كما واصل
الكلام في طرق إثبات المقاصد، .بالإضافة إلى مزيد من التعمق في القضايا المألوفة،
كالمصالح وأقسامها…
2-من أبرزها ما أضافه ابن عاشور, هو ذلك النوع من المقاصد الذي خصص له
القسم الثالث من كتابه, و سماه”مقاصد التشريع الخاصة بأنوع المعاملات “،
و أدرج تحته:
-مقاصد أحكام العائلة.
-مقاصد التصرفات المالية .
-مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على الأبدان
-مقاصد أحكام القضاء والشهادة
– المقصد من العقوبات
لقد كان
الكلام في مقاصد الشريعة قبل ابن عاشور ينصرف إما إلى المقاصد العامة، وهي التي
خصص لها القسم الثاني، وسماها “مقاصد التشريع العامة”،
وإما إلى مقاصد الأحكام التفصيلية، أي المفاصل الجزئية، فلما جاء ابن عاشور كشف عن
مستوى آخر من المقاصد، يتوسط بين العامة والجزئية، وهو ما يتعلق بمجال تشريعي
معين، كالمجالات التي ذكرها.
3- ابن عاشور هو أول من نادى صراحة بتأسيس علم جديد هو “علم
المقاصد” ، ويبدو أنه كان يؤلف كتابه على هذا الأساس.
4- لا بد من الاعتراف بأن الطفرة التي أحدثها ابن عاشور في مجال مقاصد
الشريعة، متمثلة في العناصر الثلاثة السابقة، وأيضا في كونه أدخل الدراسة
المقاصدية في البرنامج الدراسي لجامعة الزيتونة، وفي فكره المقاصدي المبثوت في
عامة إنتاجه الفقهي والأصولي والتفسيري والحديثي والفكري، هذه الطفرة لم تنبت من
فراغ، ولم تأت بغتة، بل هي مسبوقة ومعززة بالحركة الإصلاحية التجديدية الشاملة
التي كانت تعتمل آنذاك لدى علماء مصر وتونس والجزائر والمغرب وغيرهم. وتعززت كذلك
بنشر كتاب(المواقفات) الذي طبع في حياته عدة مرات بتونس ومصر، وقام هو نفسه
بتدريسه للطلبة الزيتونيين . فابن عاشور مدين لكل هذه العوامل التي جنى ثمرتها.