الأمريكيون بين حماية البطة وقتل الشعوب
الأمريكيون بين حماية البطة وقتل الشعوب
–أحمد الريسوني–
يروى عن الإمام مالك رضي الله عنه أن بعض أهل العراق جاؤوا يسألونه: هل يجوز قتل البراغيث في الحرم؟ فنظر إليهم متعجبا، وقال: تقتلون الحسين وتسألون عن قتل البراغيث؟!
قد لا يكون لهؤلاء السائلين علاقة بقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه، الذي قتل في العراق شر قتلة، ولكن الإمام مالكا أراد أن يرسل معهم رسالة إلى أهل العراق، وإلى كل من يعنيهم الأمر، وأن يلفت نظر السائلين أنفسهم إلى أن الأولى بهم أن يسألوا عن الجريمة العظمى التي ارتكبت بأرضهم بدل السؤال -الذي هو أقرب إلى الهزل والسخرية- عن حكم قتل البراغيث في منطقة الحرم المكي أو المدني.
تذكرت هذه الحكاية الغنية بالدلالات، حين سمعت وقرأت مرارا عن البطة السعيدة التي اتخذت لها عشا بجانب البيت الأبيض ووزارة الخزينة بالعاصمة الأمريكية واشنطن. وقد تحدثت وسائل الإعلام كثيرا عما أولاه المسؤولون الأمريكيون لهذه البطة من رعاية وحماية وعطف ومساعدة، ومن حرصهم الشديد على ألا يصيبها أحد بأي أذى أو إزعاج. وقد تابعت وسائل الإعلام الأمريكية هذه العناية بعناية مماثلة، إلى أن عرفنا أخيرا أن البطة قد فقست بيضها، وبدأت في رعاية فراخها، وتابعتها في أول رحلة سباحة لها بعد فترة نفاسها…!!
لا بد أن يصيبني، ويصيب غيري، من العجب والدهشة أشد مما أصاب الإمام مالكا رحمه الله، كيف أن الأمريكيين -وهم القتلة الأوائل في هذا الزمان- يثيرون زوبعة إعلامية حول رفقهم وإنسانيتهم وحمايتهم المتحضرة للبطة السعيدة؟
فالأمريكيون هم أكبر ملوث للكرة الأرضية وما حولها، ومع ذلك يرفضون التوقيع على معاهدة “كيوطو” لحماية البيئة، ولا يفكرون حين يبتزون الشعوب ويجمعون منها ملايين الدولارات كل يوم، في أن يساهموا في حماية البيئة وإصلاح بعض ما أفسدوه منها، مع أن فساد البيئة يهدد البشرية كلها، والكائنات الحية كلها …
الأمريكيون خاضوا في العراق حربا طاحنة للعباد والبلاد، وضحاياها من قتلى وجرحى ومعتقلين هم -بدون شك- بمئات الآلاف، أمريكا تحصي قتلاها وترفض أي إحصاء للقتلى المدنيين هناك، مع أن جميع القتلى والضحايا هناك إنما هم ضحايا حربها وبسبب حربها، سواء كانوا أمريكيين، أو عراقيين، أو غيرهم، فأيا كان القاتل والمقتول وسبب القتل فأمريكا مسؤولة عن قتلهم جميعا …
أمريكا -منذ نصف قرن- تدعم القتل الصهيوني في فلسطين وفي غير فلسطين، فهي السند الأول لكل قتل وعدوان صهيوني.
أمريكا مارست القتل العدواني أو دعمته في اليابان، وفي لبنان، والصومال، والفليبين، وأفغانستان …
أمريكا التي قتل جنودها أكبر عدد من القتلى الصحفيين في العراق، ترفض حتى مجرد التحقيق في قتلهم، مع أن التحقيق طلب منها هي نفسها لا من غيرها.
أمريكا هذه تقيم عرسا دعائيا، لأن مسؤوليها وفروا للبطة كل أسباب الأمن والرعاية والسلامة، وطلبوا من العالم أن يكون شاهد زور وتزوير على منتهى الإنسانية والرعاية لحقوق الإنسان والحيوان والطيور والبراغيث …
أليس هذا يشفع للزعماء الأمريكيين إذا قتلوا بضع مئات من الآلاف من البشر هنا وهناك؟ !
4 مايو 2005