مقاصد البعثة النبوية وحاجة البشرية إلى تحقيقها
مقاصد البعثة النبوية وحاجة البشرية إلى تحقيقها
الكاتب/ د. انجوغو صمب / رئيس شعبة الدعوة بجماعة عبدالرحمن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين .
فإن الله تعالى امتن على عباده المؤمنين ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وهي من أجل النعم وأعظمها، قال تعالى في محكم تنزيله ٍ{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وقال تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، قال الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ((هذه المنة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين أكبر المنن، بل هي أصلها؛ وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم، الذي جمع الله به جميع المحاسن الموجودة في الرسل؛ ومن كماله العظيم هذه الآثار التي جعلها الله نتيجة رسالته، التي بها كمال المؤمنين علما وعملا، وأخلاقا وآدابا، وبها زال عنهم كل شر وضرر…)).
هذا، ولا شك أن لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم مقاصد عظيمة وغايات جليلة، يجدر بنا معاشر المسلمين والمسلمات أن نتذاكرها ونتدارسها، ثم نسعى لتحقيقها وتفعيلها في جميع مجالات الحياة، وفي كل يوم وحين، قال تعالى{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بعث بدين الإسلام الذي هو منهج حياة كامل، وقد شمل هديه : العقيدة السليمة التي تحرر الإنسان من عبادة كل ما سوى الله تعالى، والعبادة الصحيحة التي تزكي الإنسان وتطهرها من جميع الرذائل، ومكارم الأخلاق وأصول القيم الإنسانية، كما شمل الشريعة السحمة التي هو أقوم المناهج لتنظيم شؤون الحياة.
ولأهمية العلم بمقاصد بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم اجتهد العلماء والدعاة والمصلحون بالكشف عنها ونشرها والإعلام بها، من لدن زمن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، ومرورا بعصور السلف الصالح رحمهم الله إلى يومنا هذا.
فلما هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة سألهم النجاشي عن دينهم وعن خصائصه وفضائله، فقال له أميرهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه معرفا بدين الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وما يميزه عما عليه قريش من الوثنية، وعما عليه أهل الحبشة من الدين النصراني المحرف، ومما قاله رضي الله عنه في تلك الخطبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة)).
ونجد في جواب الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم في معركة القادسية تصريحا برسالة الإسلام العالمية وفلسفته في الجهاد، حيث قال رحمه الله تعالى (( اللَّهُ ابْتَعَثَنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ مِنَّا ذَلِكَ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَتَرَكْنَاهُ وَأَرْضَهُ يَلِيهَا دُونَنَا، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا، حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ قَالَ (رستم) : وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفْرِ لِمَنْ بَقِيَ)).
ولما كتب حيان بن شريح عامل عمر بن عبد العزيز على مصر رسالة إليه يقول فيها (( إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية، رد عليه عمر رضي الله عنه برسالة بليغة قال فيها : ((أما بعد فإن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا، فإذا أتاك كتابي هذا فإن كان أهل الذمة أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فاطو كتابك وأقبل )) .
وقال ابن القيم رحمه الله (( فإن الرسالة لها مقصودان عظيمان ، أحدهما: تعريف العباد ربهم ومعبودهم بما هو عليه من الأسماء والصفات ، والثاني: محبته وطاعته والتقرب إليه … )) .
وعقد الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله فصلا في كتابه القيم (الوحي المحمدي ) لتعداد مقاصد القرآن، وهي بطبيعة الحال مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم نفسها، وذكر من المقاصد الكلية للبعثة النبوية: إصلاح أفراد البشر وجماعاتهم وأقوامهم، وإدخالهم في طور الرشد، وتحقيق أخوتهم الإنسانية ووحدتهم، وترقية عقولهم، وتزكية أنفسهم، ونسج على منواله الطاهر بن عاشور رحمه الله في مقدمة كتابه التحرير والتنوير.
إن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى إنقاذ كامل وبعث شامل، ينتشلها من أوحال الكفر والإلحاد والبدع المحدثة والمعاصي الموبقة، ويحررها من عبودية الطواغيت والظلمة، ويعيد إليها كرامتها التي منحها الله تعالى، ولا يتحقق ذلك إلا بالعودة الصادقة إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبإزالة مظاهر التفرق والاختلاف بين العاملين للإسلام، والسعي الجاد لتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم في الدعوة كما يرصونها في محاريب الصلاة وفي ميادين القتال، قال تعالى مخاطبا الله الأمة الإسلامية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، وقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}.
هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبيه محمد وسلم تسليما، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: موقع جمعية أنصار الدين السينيغال