قضية “90 بالمائة” بين المعنى السليم والفهم السقيم
قضية “90 بالمائة” بين المعنى السليم والفهم السقيم
منذ سنين طويلة – وبحكم التجارب – أصبحتُ حين أكتب شيئا، ثم أراجعه من حيث الشكل والمضمون والطباعة … أعود فأقوم بمراجعة أخرى، بحثا عما يمكن أن يتعرض للتحريف أو التأويل أو سوء الفهم، فأدخل عليه مزيدا من التدقيق والتوضيح لإغلاق الأبواب على الجهل والغباء والشيطنة.
لكن هذا لا يتأتى – كما ينبغي – في أثناء الحوارات المباشرة والمحاضرات الشفوية، فتخرج عبارات ناقصة، وألفاظ محتملة، فيجد فيها الأغبياء والأشقياء ما يحرفون به الكلم عن مواضعه…
وقديما قال الشاعر:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا … وآفـتُه من الفهم السقيم
وهذا هو ما وقع لعبارة “90بالمائة” التي جاءت في مداخلتي الأخيرة بمؤتمر التراث ومتطلبات المستقبل، بالدار البيضاء…فبسرعةٍ غضبَ لها قوم وثاروا وغلظوا وهاجموا.. من غير أن يسمعوا نص الكلام، الذي نشر بعد ساعات من القصاصة الصحفية التي أغضبتهم وهيجت حميتهم.
وبنفس السرعة فرح آخرون بهذه العبارة، وهللوا لها ورحبوا بها وزادوا فيها..
قلت لأحد الأصدقاء المستفسرين: لقد كنا نعاني من هواة السبق الصحفي، فأصبحنا نعاني من هواة الشبق الفيسبوكي، فرد علي: إنه الإسهال الفيسبوكي. وعلى كل حال يجوز الوجهان!
ما حقيقة “90بالمائة؟”
كان موضوع مداخلتي هو:تجديد العلوم الشرعية..
وقد أشرت منذ البداية إلى أن لفظ التجديد له معانٍ عديدة: كما في تجديد العزم، وتجديد الفهم، وتجديد العمل بعد انقطاع، وتجديد العهد بعد نقضه أو تعثر العمل به، وتجديد الهمة والحماس بعد التراخي والفتور، وتجديد الوضوء بعد انتقاضه، وتجديد الأثاث، وتجديد البناء..
وتجديد العلوم الشرعية يحتاج إلى كل هذه المعاني أو ما يشبهها أو يناظرها، وقد ذكرت وجوها لذلك.. إلى أن وصلت إلى تجديد الفقه.. وذكرت ما ذكرت من وجوه الحاجة إلى التجديد فيه. ومنها الاجتهاد للتطورات والمستجدات والنوازل والأحوال التي تتناسل كل يوم في عصرنا، وهي من الغزارة والكثرة بحيث لو اشتغل بها فقهاؤنا واجتهدوا وجددوا في استنباط أحكامها، لأصبحت تشكل“90بالمائة؟” من الفقه الإسلامي، فنكون أمام تغير في الفقه بنسبة“90بالمائة؟”.
هذا مع العلم أن هذا الرقم قد خرج مخرج الاستكثار والتهويل، وهو أسلوب معهود في الخطاب العربي، ومستعمل حتى في القرآن الكريم… والغرض منه هنا هو التحريض والتشجيع للفقهاء على الاجتهاد لشؤون عصرهم وما جدّ وتغير فيها، مما نراه قد قلب وجه الحياة في كافة مجالاتها وميادينها ووسائلها، بحيث أصبحنا أمام فراغ كبير وتخلف رهيب في التجديد والاجتهاد الفقهي…وحتى في حياة الأفراد في بيوتهم، يظل الناس يسألون ولا يجدون من يجيبون.
فلذلك نحن بحاجة إلى التجديد والتغيير في بنية الفقه وأبوابه ومسائله وفتاويه بنسبة“90بالمائة”!
وعلى هذا، فمن أراد أن يفرح فليفرح، ومن أراد أن يقدح فليقدح..