مقاصد الدعوة الإسلامية ومكارمها
مقاصد الدعوة الإسلامية ومكارمها
بقلم الدكتور نجوغو امباكي صمب (عضو الاتحاد)
الحلقة (1)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وإمام الدعاة والمصلحين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد .
فهذه سلسلة مقالات أنوي نشرها تباعا حول موضوع ” مقاصد الدعوة الإسلامية ومكارمها ” وهي في الأصل كتاب نشرته دار مفكرون للنشر والتوزيع في جمهورية مصر العربية، وقد رأيت أن أعيد نشرها في شكل مقالات لتعميم الفائدة، ولمشاركتها مع القراء لإثراء النقاش حولها مع العلماء والباحثين، والله ولي التوفيق والسداد.
***
إن الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه إلى الناس هي الوظيفة الكبرى للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، والمهمة العظمى للدعاة والمصلحين ، قال تعالى { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[1] .
وهي من أحسن الأقوال وأفضل الأعمال لما يترتب عنها من تحصيل المصالح والمنافع الدينية والدنيوية ، العامة والخاصة ، الفردية والجماعية ، في آجل الناس وعاجلهم ، قال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[2] .
و المقاصد أرواح الأعمال كلها ، وهي التي تكسبها الحياة والازدهار ، وبدونها تكون ميتة لامعنى لها ولا غاية ، قال الإمام الشاطبي [3] رحمه الله تعالى (( فإن المقاصد أرواح الأعمال ))[4]
و للعمل الدعوي والفعل الإصلاحي مقاصد وغايات ومكارم يسعى الداعية والمصلح إلى تحصيلها وتكثيرها وتثبيتها ، بإذن الله تعالى وتوفيقه ، ثم باتباع المنهج الرباني في الدعوة والتبليغ والبيان .
ذلك لأن أصول الدعوة قسمان هما أولا : الأصول العقدية وهي ما يدعى إليها من أصول الدين وقواعد الشريعة ، كما في قوله تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[5]، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعث إلى اليمن لدعوة أهلها إلى الإسلام : (( إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس))[6]، وفي الحديث بيان لما يدعو إليه الداعي من أصول الدين وفروعها ، وتنبيه إلى بعض أخلاقيات الدعوة وفقهها .
والقسم الثاني من أصول الدعوة هو الأصول المنهجية ، وهي المناهج والطرق الشرعية التي يدعى بها إلى الله تعالى ، كما في قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }[7] ، وفي الآية بيان لما يدعى بها من أساليب الإقناع ووسائل التأثير ، وطرق الحجاج ، وتتلخص في ( الحكمة ) و ( الموعظة الحسنة ) و ( الجدال بالتي هي أحسن ) ، وهذه أصول كلية تندرج تحتها فروع كثيرة ، ليس هنا مجال شرحها وتفصيلها .
ولتحقيق مقاصد الدعوة إلى الله والانتفاع بمكارمها لا بد من الجمع بين هذين القسمين من الأصول، وذلك بالدعوة إلى الأصول العقدية من خلال الأصول المنهجية ، وبعبارة أخرى الدعوة إلى الله بإذن الله وعلى بينة منه وبصيرة ، قال تعالى { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[8] ، وقال تعالى {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } [9].
يتبع …
هذا، وبالله التوفيق .
[1] سورة البقرة، الآية 213
[2] سورة فصلت ، الآية 33
[3] هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي ، من أفراد العلماء المحققين الأثبات وأكابر الأئمة المتفننين الثقات، له القدم الراسخ والإمامة العظمى في الفنون فقهًا وأصولًا وتفسيرًا وحديثًا وعربية وغيرها، مع التحري والتحقيق، توفي يوم الثلاثاء الثامن من شعبان سنة تسعين وسبعمائة هجرية . انظر : نيل الابتهاج بتطريز الديباج ، تأليف أحمد بابا بن أحمد بن الفقيه الحاج أحمد بن عمر التكروري التمكتي ، ص48 ، الناشر دار الكاتب – طرابلس ليبيا 2000م
[4] الموافقات ، تأليف إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ، 3/44 ، الناشر دار عثمان بن عفان -1417 هـ
[5] سورة يوسف ، الآية 108
[6] متفق عليه : صحيح البخاري ، 2/119 برقم ( 1458 ) الناشر دار طوق النجاة – 1422 هـ ، صحيح مسلم ، 1/51 ، برقم ( 19)، الناشر دار إحياء التراث العربي –بيروت .
[7][7] سورة النحل ، الآية 125
[8] سورة الأحزاب ، الآية 46
[9] سورة الأنعام ، الآية 57