مقررات رمضانية (1): مادة الصوم..
مادة الصوم:
فأما المادة الأولى، فهي المادة الرئيسية في مدرسة رمضان، وهي التي تستغرق أكبر عدد من الساعات الدراسية. ومن ضمنها الامتناع والانقطاع عما هو مباح من شهوات البطن والفرج من الفجر إلى الغروب، ومن باب أولى الامتناع والانقطاع عما هو محرم من أصله.
ومقصود هذه المادة هو تمكين الصائمين من تحصيل التقوى وتدريبهم على ممارستها. وهو المقصد الذي أشارت إليه الآية الكريمة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة/183.
والتقوى في جوهرها منهج سلوك يتسم باليقظة والانتباه والاحتياط، ومقتضاه أن الإنسان عند كل خطوة يريد يقدم أن عليها: ينظر فيها، وينظر حواليها، وينظر ما قبلها وما بعدها.. وبعد ذلك يُقدم عن بينة ويمشي على بصيرة. وبيان هذا ومثاله ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبيَّ بنَ كعب عن التقوى؟ فقال له أُبيّ: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى قال: فما عملتَ؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى
ومِثلُه عن أبي هريرة: أن رجلاً قال له: ما التقوى؟ فقال: هل أخذتَ طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم . قال: فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيتُ الشوك عدلتُ عنه ، أو جاوزته ، أو قصُرت عنه ، قال: ذاك التقوى
وقد نظم الشاعر هذا المعنى بقوله:
خَلِّ الذنوب صغيرَها … وكبيرَها، ذاك التُّقَى
واصنع كماشٍ فوق أر… ض الشوك يحذر ما يرى
فالصائم حين يصبح ويظل حذرا متيقظا، خشية أن يتناول ما يفسد صومه، من جرعة ماء، أو حبة تمر، أو لقمة طعام…، وحين يغفل لحظة ثم ينتبه فيسحب الطعام أو الشراب من بين شفتيه، وحين يمسي خائفا متوجسا أن ينطق بكلمة غيبة أو كذب أو شهادة زور… وحين يغدو صارفا سمعه بصره عن هذه وتلك وهذا وذاك …، وحين يُغضبه أو يستفزه أحد فتثور ثائرته، لكنه يتذكر ويقول: اللهم إني صائم…، وحين يهُمُّ بكسب حرام ثم يخاف على نفسه وعلى صيامه … حينئذ يكون فعلا كَمَاشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى، وتلك هي التقوى… وهو المعنى الذي يعبر عنه المغاربة بالمشي على البيض …