المحكي والمنسي في الحرب على العراق
نشر في التجديد يوم 06 – 09 – 2005
منذ أيام قليلة صدر في باريس كتاب جماعي لمجموعة من الكتاب والأخصائيين، بعنوان الكتاب الأسود لصدام حسين تتبع فيه مؤلفوه الجرائم المرتكبة في ظل حكم حزب البعث للعراق، وبصفة خاصة فترة صدام حسين.
وقد ركز الكتاب على جرائم القتل والتعذيب، والتهجير القسري…
وفي الأيام الأخيرة كذلك أنجزت تقارير أمريكية حول نفقات الولايات المتحدة في حربها بالعراق، فإذا هي قد بلغت نحوا من 600 مليار دولار، مما يجعلها قد تفوقت في وقت مبكر من مدتها على نفقات حرب فيتنام.
العداد الأمريكي للنفقات المالية يسير جنبا إلى جنب مع عداد آخر خاص بالقتلى الأمريكيين في العراق. فكلما قتل أمريكي أو إثنان إلا ونسمع الرقم الجديد.
بل أكثر من هذا، فإن استطلاعات الرأي حول شعبية زعيم الحرب جورج بوش لا تكاد تتوقف أيضا…
الكتاب المتعلق بجرائم صدام حسين، الذي جاء في 700 صفحة واشترك في إعداده ثلاثة وعشرون مؤلفا، ينتهي إلى أن >صدام حسين كان أحد أسوأ طغاة التاريخ، وأنه كان من الضروري والملح التخلص منه<. كلام جميل، كما يقول صاحب الاتجاه المعاكس.
جميل أن يوضع كتاب أسود لكل صاحب تاريخ أسود، ولكل صاحب سجل أسود، وجميل أن يتم التخلص من الطغاة المجرمين.
وجميل أيضا أن يتم إحصاء القتلى فردا فردا، وأن يتم الإخبار بذلك يوما بيوم وشخصا بشخص…
وجميل كذلك أن يتم إحصاء نفقات الحروب، مليارا بعد مليار، بل حتى دولارا بعد دولار، لكي يعرف الناس جميعا ما معنى أن تدخل في حرب، وما معنى أن تستمر في حرب.
هذه بعض الجوانب المحكية والمعلنة في الحرب ضد العراق، الحرب التي قيل لنا إنها لنزع أسلحة الدمار الشامل، ثم أصبحت حربا لإزالة الطاغية صدام حسين، ثم أصبحت حربا لاجتثاث البعث، ثم… ثم.. إلى ما لا نهاية…
لكن هل هناك خبراء وأخصائيون، يعدون لنا >الكتاب الأسود لما بعد صدام؟<
هل هناك عداد للعراقيين وغير العراقيين الذي قتلتهم الحرب على العراق؟ وكم يتوقع أن تستمر وتقتل هذه الحرب؟
علما بأن الجنود الأمريكيين إن قتلوا وذهبوا ضحية هذه الحرب، فهم غزاة معتدون محتلون، جاؤوا بأنفسهم إلى حتفهم، أما العراقيون، فهم مظلومون مبتلون بهذا التسلط بلا طلب منهم ولا ذنب لهم. ولذلك فكل واحد يقتل منهم ظلما، فهو عند الله أغلى من 600 مليار دولار التي يتحسر الأمريكيون على فقدانها وعلى طول المدة المنتظرة لتعويضها من العراق.
إذا كان العداد الأمريكي تتغير أرقامه بالواحد والإثنين، وبالثلاثة والأربعة، كل يوم، فإن عداد القتلى العراقيين لو وجد ستتغير أرقامه بالمائة والمائتين كل يوم. وكلهم على ذمة الحرب على العراق وعلى ذمة القائمين بها. وكلهم في الكتاب الأسود لما بعد صدام وهذا ما يعنيه العلامة القائد خامنئي، حينما يبادر دائما إلى تحميل الاحتلال مسؤولية المجازر التي تقع في العراق، لأنه في البداية وفي النهاية هو الذي صنع ويصنع هذا الواقع ويصر على استمراره واستدامة أسبابه…
ومعلوم أن معاناة العراقيين لا تنحصر في مئات الآلاف من أرواحهم وشهدائهم، ولكن هناك ما لا يحصى من المصابين والمعطوبين، ومن الميتمين والمشردين، ومن الثكالى والأرامل، ومن المعذبين والمرعوبين.
وهناك الدمار الشامل الذي حل بالبلاد، فأرجعها خمسين عاما أو ستين عاما إلى الوراء.
وهناك شبح التقسيم وشبح الحرب الأهلية.
والأخطر من هذا كله أنه ليس له أمد زمني منظور أو متوقع، وليس له أرقام يمكن أن تتوقف عندها العدادات لو وجدت.
فاللهم لطفك يا لطيف.