ملخص كتاب الكليات الاساسية للشريعة الاسلامية للدكتور احمد الريسوني
لقد تناول فضيلة الدكتور أحمد الريسوني في كتابه هذا موضوعا جليلا خطيرا، هو الكليات الأساسية للشريعة الاسلامية، أودع فيه من أسرار الشريعة و أصولها وكلياتها وقواعدها ومصادرها وفروعها ومجامعها ,,, ما أماط الحجب عن الأبصار، وقرب البعيد للأنظار، من أجل إبراز مكانة هذه الكليات وحجمها وأهميتها، في البناء الإسلامي وكذلك لإبراز مدى الحاجة إليها في الإجتهادات الفقهية والأولويات الفكرية والدعوية.
في بادئ الكتاب يقدم الريسوني تعريفًا لكلمات الشريعة والتشريع، وكذلك الشرعة والشرع، موضحًا أنها كلها راجعة إلى أصل واحد، هو مادة “شرع”؛ ومعنى الفعل شرع وضع الأحكام وتحديدها بمعنى سن، بعدها يوضح أن التشريع الإسلامي لا يمكن فيه التمييز ـ وخاصة على صعيد القواعد والمقاصد ـ بين تشريعات عامة وأخرى خاصة، وبين ما هو رسمي وما هو شعبي، وما هو عام، وما هو خاص و من العلماء من يعتبر مفهوم الشريعة شاملا لكل ما أنزل الله لعباده ( معتقدات، آداب، وعبادات… ) ومما يستدلون به قوله تعالى: ((( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ))) إلا أن الغالب لدى علماء الفقه التقابل بين العقيدة والشريعة أي أن الشريعة غير العقيدة ، قال قتادة : والشريعة : الفرائض والحدود والأمر والنهي .. أما المعنى الذي ذهب به الشيخ محمد ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ، هو حصر مفهوم التشريع في القوانين و التشريعات المتعلقة بالشؤون العامة دون أن يشمل أحكام العبادات، المندوبات و المكروهات . وهو يعارضه الريسوني بتأكيده أنه يتعذر إحداث تمييز فيما بين المقاصد والقواعد العامة للشريعة الإسلامية واعتبارشئ منها خاصا بالمعاملات، أوخاصا بالعبادات، أوخاصا بما هو قانون الأمة ومن شؤونها العامة، مستدلا بقاعدة العدل – التي هي من الكليات والمقاصد الكبرى للتشريع الإسلامي – لاتخص نظام الحكم والقضاء فقظ إنما هي سارية في الوضوء والصلاة، والصوم والزكاة، وعلاقات الجيران والأقارب، وفيما بين الأزواج والأبناء، والأمهات والآباء، ومع الطلبة والتلاميذ، بل حتى مع الإنسان في خاصة نفسه وأعضاء جسمه، وفي نومه ويقظته، وأكله ولباسه…. أي في جميع مجالات حياة الإنسان ( المجال الإجتماعي، الإقتصادي، السياسي…). وعلى هذا الأساس يقول مصطلح التشريع الإسلامي مستعمل عندي بأوسع معانييه العملية ومقتضياته التطبيقية. ويضيف أن الحياة المعاصرة أصبحت تعرف كثافة قانونية لامثيل لها من قبل، وأصبحت القاعدة التشريعية التي عبر عنها الخليفة عمر بن عبد العزيز بقوله: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثو من فجور .. أصبحت تشتغل ليل نهار، وأصبح لدى معظم دول العالم مؤسسات تشريعية متخصصة و متفرغة، ومع هذا كله يضيف الكاتب فإن التشريع بمعناه القانوني الرسمي ، لايحكم ولايؤطر إلا نسبة ضئيلة من الحياة البشرية ومن العلاقات البشرية ، ولكن الإسلام وشريعته بمعناها الشامل يملأ الحياة كلها وينظم جميع مناحي حياة الأفراد والجماعات بقواعده وكلياته ومبادئه ومقاصده. وإذا كانت القوانين وحدها لاتسد الفراق ولاتلبي الإحتياج في الحياة البشرية، إلا بنسبة ضئيلة فكذلك الأحكام التفصيلية المنصوص عليها بأعيانها وأسمائها ، ولذلك شاع قول بعض العلماء النصوص لاتفي بعشر معشار الشريعة ، وهم يقصدون النصوص المتضمنة للأحكام التفصيلية الصريحة والمباشرة. مدخل الى الكليات و الكلياة القرانية والقرءان الكريم باعتباره الأصل الأول والمرجع الأعلى للإسلام وشريعته ، لابد وأن يكون هو مستودع هذه الكليات الأساسية ومنجمها، يقول الحق سبحانه ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) فالآيات المحكمات هي كليات وأصول ، مما يندرج فيها أو يتفرع عنها أو يخضع لها ، من التفصيلات والجزئيات والتطبيقات . وللقرءان أساليبه المتميزة، في عرضه لهذه الكليات الأساسية العامة، من ضمنها: أنها تأتي على لسان الأنبياء، أو ضمن صفاتهم ومواقفهم من ذلك مثلا ما جاء على لسان نبي الله صالح عليه السلام خطابا لقومه : (( ولاتطيعوا أمر المسرفين (151) الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون )) الشعراء 151 …152 وقد تأتي في صيغ وصفية لأحوال الناس، إما تذكر صفاتهم المحمودة لأجل الإتباع والإقتداء أو صفاتهم المذمومة لأجل الإجتناب والإنتهاء، من هذا القبيل نقرأقوله جل وعلى (( والذين يجتنبون الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون )) الشورى 37 وقد تأتي بصيغ تقريرية خبرية على شكل مبادئ وقواعد كما في الآيات (( لانكلف نفسا إلاوسعها )) الأنعام 152 (( فمن أضطر غير باغ ولاعاد فإن ربك غفور رحيم )) الأنعام 145 وقد تأتي بالصيغ الصريحة للأمر والنهي (( ادفع بالتي هي أحسن )) فصلت 34 (( ولاتقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن )) الأنعام 151 وقد يأتي تقرير المعاني الكلية وتمريرها، من خلال تضمينها في الأدعية المطلوبة والمشروعة، من ذلك : (( اهدنا الصراط المستقيم )) الفاتحة 6 (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) البقرة 201 أما فيما يتعلق بعلاقة الكتب المنزلة بهذه الكليات العامة يعتبر الريسوني بأن كل هذه الشرائع قد تختلف في الجزئيات العامة أو التفصيلية ولكنها متفقة كليا في الكليات الأساسية والمقاصد الكبرى وأصول الفرائض والمحرمات وهذا ما تحدث عنه شيخ الإسلام إبن تيمية في كتابه – الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – ” وقرر مافي الكتب المتقدمة من أصول الدين وشرائعه الجامعة، التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم …” وقد استعرض نموذج من هذه الأحكام المشتركة : تسع آيات بينات ….؟ قال الله تعالى (( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات)) الإسراء 101 اختلف المفسرون في المراد بهذه الآيات التسع منهم من اعتبرها آيات كونية باهرة ( الطوفان، الجراد، القمل ، الضفادع، والدم ) أرسلها الله على فرعون عقابا له على كفره و تجبره، مستندين على قوله تعالى (( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات )) الأعراف 133. وبما أن هذه الآيات المذكورة هنا عددها خمس، والأخرى تسع فقد أضافوا إليها أشياء أخرى من بين معجزات النبي موسى عليه السلام كلسانه لما انجلت عقدته واليد والعصا والبحر. وفريق من العلماء كالآلوسي رجح تفسير الآيات المنزلة المتضمنة للأحكام، عمدة هذا التفسير عندهم حديث صفوان إبن عسال : أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله. فقال لاتقل نبي، فإنه إن سمعها – تقول نبي – كانت له أربعة أعين. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله عز وجل (( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لاتشركوا بالله شيئا، ولاتزنوا، ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولاتسرقوا، ولاتسحروا، ولاتمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولاتأكلوا الربا، ولاتقذفوا محصنة، ولاتفروا من الزحف. وعليكم يامعشر يهود خاصة: لاتعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي. قال فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داوود دعا الله أن لايزال في ذريته نبي، وإنا نخاف أن تقتلنا اليهود. أما النتيجة عند الدكتور الريسوني أن الآيات التسع، التي أوتيها موسى ودعى إليها، هي غير الآيات التسع التي أرسلها الله على فرعون وقومه نقمة و عقوبة، فليست التسع هي التسع، ولكنها تسع مقابل تسع، تسع كذبوا بها، وتسع عوقبوا بها. و الفصل الثاني وهو صلب الكتاب ولبه خُصص لتصنيف الكليات الأساسية للتشريع الإسلامي أربعة أقسام الكليات العقدية، المقاصدية، الخلقية و التشريعية. في المقدمة تحدث عن الإشكالات والصعوبات التي تكتنف هذا التصنيف أولها عدم وجود نموذج سابق يُبنى عليه ويُنسج على منواله، والثانية كون هذه الكليات جاءت في صيغ مختلفة، من قصص وأمثال وأدعية ووعد ووعيد وطلب وخبر… أما التالثة فهي التداخل والترابط بين هذه القواعد الكلية.
الكليات العقدية : ويقصد بها الأصول الإعتقادية الإيمانية الكبرى، والمرتكزات الأولية للدين، وعلى رأسها الإقرار بالله تعالى، وبالنبوات، وبالسعادة الأخروية – الجنة – و الشقاء الأخروي – النار – .
الكليات المقاصدية : وهي مقاصد كلية، ومعاني أولية، وغايات أساسية جامعة، التي لأجلها خُلقت الخلائق ووُضعت الشرائع والتكاليف، أهمها :
– مقصد التنافس في الإحسان بالإبتلاء – مقصد التعليم والتزكية – مقصد جلب المصالح ودرء المفاسد – مقصد ترسيخ قيمة العدل بين الناس في المعاملات في جميع مجالات الحياة، بمعنى إقامة مجتمع العدل وليس فقط وزارة العدل.
الكليات الخلقية : وجمعها في كليتي التقوى وكلية الاستقامة، معتبرا كل ما هو خلق، أو صفة خلقية، فهو كلي، فالأخلاق بطبيعتها قضايا كلية، فكل خلق ـ بمفرده أو مع غيره ـ يمثل نمطا في السلوك ومنهجا في الحياة، أي أن كل خلق هو قاعدة سلوكية كلية.
الكليات التشريعية : ويقصد بها ، المبادئ والقواعد المتصلة اتصالا مباشرا بتفريع الأحكام العملية، وهي بالدرجة الأولى وضعت قواعد للسلوك والتعامل البشري وما يحتاجه من تحليل وتحريم وإيجاب وإباحة وضبط وتنظيم… أي هي قواعد أصولية فقهية كبرى، قواعد مرجعية مباشرة لاستمداد الأحكام الشرعية العملية. والكليات التشريعية حسب رأيه هي الأكثر كلية وسعة، ضمن مبادئ التشريع الإسلامي وقواعده. وتتمثل في : – الأصل الإباحة والتسخير.- لادين إلاماشرعه الله ولا تحريم إلاما حرمه الله- تحليل الطيبات وتحريم الخبائث- التكليف بحسب الوسع- التصرف في الأموال منوط بالحق والنفع – التعاون على البر والتقوى
في الفصل الثالث والأخير تحدث فيه الريسوني، عن بعض القضايا الأصولية والفقهية، والتي همت النسخ والتخصيص. وكذا الحديث عن التشريع الإسلامي بين الكليات والجزئيات. وانتهى في المبحث الأول إلى أن القضايا والمبادئ والأحكام الكلية، لا يقع فيها نسخ؛ فهي متكررة مستقرة مستمرة في جميع الشرائع. ومثل في نقاشه بالرد على من يقول بأن قوله تعالى {لا إكراه في الدين} منسوخ، وخلص إلى أن الاستسهال والاسترسال في القول بنسخ كثير من الآيات أو تخصيصها، يشكل ضررًا كبيرًا على الشريعة وأحكامها، وخاصة حين يمتد هذا إلى قواعد الشريعة وكلياتها.
وانتقد الريسوني في المبحث الثاني غفلة العديد من العلماء عن الكليات ليس فقط من جهة حصر آيات الأحكام وإسقاط ما ليس منها مباشرًا في جزئيات مخصوصة، وإنما أيضا في عدم إعطائها حقها في التفسير والتفصيل، بخلاف صنيعهم مع آيات الأحكام في قضايا مباشرة بعينها.
واختتم الريسوني كتابه بقوله: “نحن المسلمين، بدايتنا القرآن الكريم، والقرآن الكريم أنبأنا أن مما فيه: آيات محكمات هن الأمهات، وهن بداية البداية. فعلينا أن نركز أنظارنا، أبصارنا وبصائرنا، على هذه المحكمات الأمهات، فنستحضرها ونستبصر فيها ونتشبع بها. ثم من خلالها نتعامل مع سائر آي القرآن الكريم. ومن خلالها ومن خلال القرآن الكريم، نتعامل مع السنة النبوية والسيرة النبوية. ومن خلال هذا كله ـ حسب ترتيبه ـ نتعامل مع فقه الصحابة (ولا أعني “قول الصحابي” بمعناه الأصولي)، ثم فقه الأئمة وفقه الفقهاء، وعامة تراثنا العلمي.. وإذا كثرت علينا الأمور وتشعبت، أو اختلطت علينا واضطربت، فلنرجع ولنحتكم إلى البداية وبداية البداية، نفيء إليها آمنين مطمئنين.
المصدر: موقع فكرة