الحج قصد و نية وتهيؤ للرحيل
الحج قصد و نية وتهيؤ للرحيل
النية الخالصة لله تعالى أساس كل عبادة و كل عمل تعبدي. فلا تصح عبادة ولا يقبل عمل إلا بهذه النية. ولكن النية والقصد في الحج أكثر أهمية وأشد لزوما من أي عبادة أخرى. حتى إن اسم”الحج” نفسه يتضمنها، ذلك أن الحج معناه”التوجه والقصد إلى شيء”. و القصد أيضا هو توجه الإرادة و الرغبة والعزيمة. ولذلك لا يكون الحج حجا حتى يكون قصدا ونية وتوجها. والحج هو القصد إلى بيت الله والهجرة الفعلية إليه. هذا هو ظاهره، ولكنه في عمقه وحقيقته قصد إلى الله ، وهجرة إليه مما سواه ، فشد الرحال والارتحال إنما هو في الحقيقة إلى رب البيت لا إلى ذات البيت. فلذلك وجب على الحاج أن يعتقد أنه متوجه بقلبه و نيته، ورغبته وشوقه، و بهمته وإرادته إلى ربه. يقول الإمام الغزالي رحمه الله: ”وليتحقق أنه لا يقبل من قصده و عمله إلا الخالص. وإن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الله و حرمه، و المقصود غيره”(4)
والمؤمن يتوق و يشتاق إلى لقاء ربه في الدار الآخرة، وهو طيلة حياته يعمل لكي يلقاه وهو راض عنه، في المحشر والحساب والثواب. والحج من مقاصده التذكير بالله والوقوف بين يدي الله ، والتذكير بفراق الدنيا والرحيل إلى الدار الآخرة. فمشاهد الحج التي تبلغ ذروتها في ذلك الموقف المهيب والمشهد الرهيب بعرفات، إنما هي تجسيد مصغر لمشاهد الحشر والوقوف بين يدي الله يوم القيامة.
فعلى الحاج وهو يستعد لسفره ويتزود لرحلته، ويفارق أهله وماله وبلده،أن يتذكر انه عما قريب يفارق أهله وماله وبلده إلى غير رجعة، وأن عليه أن يتزود أكثر فأكثر لسفره الأكبر ومرحلته الأخطر. فليتعلم من رحلته إلى الحج و تزوده لها ومفارقته من يحب وما يحب، أنه لابد مرتحل ومفارق، و أن لكل ارتحال زادا واستعدادا وأن زاد الآخرة هو التقوى والعمل الصالح: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). (5)
ومن أهم لوازم التقوى التي يتزود بها الذاهب إلى ربه، أن يبرئ ذمته من المظالم وحقوق العباد. فيرد منها ما يمكن رده،و يستسمح ممن يمكن الاستسماح منه، ويستغفر الله ويتوب إليه مما لا يعلمه ولا يستطيع رده ولا التحلل منه، حتى لا يكون في سفره مثقلا ومكبلا بالمظالم وآثامها.