كُورُونَا مَرَضٌ مِنَ الجِنّ
🌾{ #كُورُونَا مَرَضٌ مِنَ #الجِنّ .. }🌾:
” مقالٌ لتصحيحِ فهْمِ حديثِ: •الطاعونُ وخزٌ من الجن• “
د.عادل رفوش
{1-لماذا هذا المقال؟}:
(ليس هذا حديثَ خرافة، ولا أنا ممن ينسف جهود العالَم الطبية بدعاوى دينية عاطفية مجردة عن البرهانية،فأقول للناس اذهبوا للرقاة واكتفوا بالصلوات وأوقدوا المجامر ( بالبخور والجَّاوي..) وانقبضوا في الزوايا نحو الخمول والاستسلام! فكرونا لا يرفعها إلا الذاكرونَ ولا يجدي المختبرونَ !! معاذ الله ..
بل هذا المقالُِ توضيح لمعنى حديث حتى لا يقع بينَ غالٍ و جافٍ بسوء الفهم عن الله ورسوله أو برد ما صح عن الله ورسوله ..
فهو صيانة للفهم..) وهو طرف من #تصحيح_الوعي الذي ما زال أهل العلم يقومون به في كل زمن ومع كل نازلة فيعالجونها عقديًا وفقهيًا وطبيًا وغير ذلك..
وتاريخنا حافلٌ بالشواهد على التفاعل الإسلامي الإيجابي الواقعي مع مختلف الأحداث والطوارئ كما نرى ذلك جلياً في تاريخ الأوبئة مثلاً ؛ كما عند ابن خلدون في تأريخه لحقبة الطاعون الأسود في زمانه بل أُلفت المصنفات الشهيرة ككتاب : “تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد” للفقيه المالكي الطبيب ابن خاتمة 770هـ
وككتاب ذي الوزارتين ابن الخطيب 776هـ
«مقنعة السائل عن المرض الهائل»
وكتاب”تحقيق النبا في أمر الوبا” للشقوري
ناهيك عن كتاب الحافظ ابن حجر المشهور “بذل الماعون في فصل الطاعون”
وإضافة إلى ما سبق ففيه فائدة أخرى وهي: فض النزاع بين بعض الأطباء وبعض الفقهاء، ممن رأوا تلازمَ التعارض؛ فنفى بعض الأطباء يدَ الغُيوب، ونفى بعض الفقهاء محاربة العيوب، بدعوى أن هذا بلاء محض لا ينفع فيه إلا التوبة والاستغفار ؛ والآخرون قالوا هو
داء محض لا يجدي معه إلا المختبر والعقار .. فنُبين معنى الحديث للتوفيق بين السبيلين وبيان الحسنيين عند الفريقين ..
{2-صُلْبُ الموضوع} :
قال رسول الله “فناءُ أُمَّتي بالطَّعنِ و الطاعونِ ، وَخْزُ أعدائِكم من الجنِّ ، و في كلٍّ شهادة” رواه أحمد والحاكم وله ألفاظ متعددة..
وهو حديث صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مما يكثر تداوله هذه الأيام مع وباء كورونا وحتى لا يشكل على ناقليه فيصيروا ناقديه
رأيت من الواجب أن أوضح منه نقطتين بإيجاز :
1-/ ( #الأمة هنا جيل الصحابة) :
-ليس المراد بالأمة عموم الأمة لا أمة دعوة ولا أمة إجابة لأن أمة الإجابة لا تزال منها طائفة حتى تقوم الساعة ولأن أمة الدعوة لا تفنى إلا بقيام القيامة ؛ وعليه فالمراد بالأمة هنا خصوص صحابته الكرام وأن أغلب موتهم يقع شهادة إما بابتلاء الجهاد والفِداء وإما بابتلاء الضراء والوباء
ويكون معنى الفناء هنا بمعنى الموت الذريع الذي يموت به أغلبهم وليس جميعَهم وإلا فمنهم من يموت ميتة معتادة أو بأسباب أخرى..
( تعددت الأسباب والموتُ واحدُ )
2-/ ( #الفيروسات نوعٌ من الوخز والمس ):
-وخز الجن ليس معناه أن الشرع لا يؤمن بالعلم ولا بالطب وأن هذا مما لا يقبله العقل وأنه من الخرافات المدخولة في السنة .. كل هذه الإيرادات التي تقع في بعض النفوس عن حسن نية أو عن سوء نية لا لزوم لها هنا أبدا ..
وبيان ذلك من وجهين :
1-لا تعارض بين عالم الغيب والشهادة فالشارع يذكر أسباباً لا يستطيع العلم بلوغها ولا ينفي ما يقوم بالعلم والتجربة من أسباب أخرى
فحينما يذكر القرآن والسنة أن ملك الموت يقبض الأرواح فليس معناه أن السكتة القلبية لا تقتل وأن حوادث السير والغرق لا تُميت !!!
فلا تعارض بين عالَم الغيب الذي هو من اختصاص الشارع وبين عالَم الشهادة الذي يهدي الله فيه الخلق لربط الأشياء بأسباب ظاهرة لتيسير الاحتياط منها والعلاج لها بالمعرفة والتجربة … وهذا جلي ظاهر ..
2-لا يلزم في تفسير النص النبوي وجه واحد إذا أمكن حمله شرعًا ولغة على معاني أخرى تزيل الإشكال ولا تعارض الحقائق الدينية ولا تناقض المقاصد الشرعية ولا تخالف الأسباب الكونية ..
فنقول في هذا النص مثلاً عندنا معنيان:
-المعنى الأول1 : وقد سبق .. أي الجن ..
-المعنى الثاني2 : أن المراد بالجن هو معناه اللغوي العام بمعنى الاجتنان والاستتار ومنه سميت الملائكة جنا والأرحام أجنة والبساتين جَنّة و الحمق والحب جنونا والصيام جُنّةً ..
فنجعل له وجهًا بمعنى أن ثمة مخلوقات غريبة بالغة الاستتار ولا يكاد يطالها الإظهار تأتي في أوضاع خفية لتتسلط على البشرية فتفعل فيها ما لا يفعله العدو في عدوه وتصيبها في مقتل وأي مقتل حتى لا يكاد ينفع معه احتراز فهو خفي ووخزه أخفى منه إذ يصيب بالحركة الدقيقة الخفيفة السريعة كأنها وخز إبر سرعة وخفة ودقة ..
وهذا #الكورونا أجَنّ من الجِنّ .. جِرماً وجُرْماً ..
ولعل من ذلك ضرب المثل بالبعوضة والذباب..
فتكون هذه الفيروسات بهذا النظر نوعاً من الجن
لشدة خفائها وكُمُونِها، وهذا لا مانع منه ،
وهو أيضا لا يمنع المعنى المعروفَ المرتبط بالشياطينِ وَخَلْقٍ من خلق الله مكلفون كما الإنس ومحاسبون يوم العرض على الله ..
ويشهد لهذا الإطلاق أنه قد صح مثله في لفظ الشياطين أيضا فهو يطلق على المعنوي وعلى المحسوس وعلى الإنس وعلى الجن والنصوص في ذلك كثيرة معروفة حقيقةً ومجازاً ، •ولا يعني زيادة أفرادٍ في ألفاظٍ نفيَ بعضها• ، فإبليس ثابتٌ دخوله في الشياطين بالأولية مهما ألحقنا بلفظ الشيطان من إطلاقات ومجازات .. وهكذا نقول في لفظ الجن إذا أدخلنا فيه الفيروسات لخفائها وخطورتها فلا يعني أننا ننفي العفاريت !
وقد سبقنا إلى هذا الشرح وفرحت بوجوده عنده بعدما كتبتُ هذا المعنى الشيخ رشيد رضا -وقبله أستاذه العلامة الإمام محمد عبده رحمهما الله تعالى- في كلامه على هذا الحديث فقال :”وقد قلنا في المنار غير مرة أنه يصح أن يقال إن الأجسام الحية الخفية التي عرفت في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة وتسمى بالميكروبات يصح أن تُعد نوعاً من الجن..”
قلتُ:وقد تكلف بعض الباحثين التشنيع على رشيد رضا في هذه الجُزئية وتشبيهها بمذاهب الباطنية الباطلة وليس فيها ما يستدعي ذلك .. فليس هذا من العقلانية المذمومة،بل هو من التوفيقية المحمودة المرحومة،وليس هو إنكاراً لعالَم الجن الذي خلقه الله مقابل عالَم الإنس بوصفه أحد الثقلين بل هو توسيع لمفهوم الجن بما لا يتناقض مع شرع ولا عقل ولا واقع ..
وبه نستطيع فهم بعض النصوص دون ظنون..
فسبحان من لا يعلم عِدّةَ جنوده سواه
وما زال -تعالى وَعَزّ- يخلق ما لا تعلمون
والله تعالى أعلم .. والحمد لله وحده ..
فائدة_حديثية : (أعدائكم وليس إخوانكم)
نختم بها نقلا عن العلامة الألباني فيما نقله
عن الحافظ ابن حجر وحرره قال في الضعيفة :
(( ” الطاعون وخز إخوانكم من الجن “
.لا أصل له بهذا اللفظ.
وإن أورده ابن الأثير في مادة وخز من
” النهاية ” تبعا لغريبي الهروي ، وإنما هو مركب من حديثين صحيحين كما يأتي بيانه وقال الحافظ في ” الفتح ” ( 10 / 147 ) :
(لم أره بهذا اللفظ بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث المسندة ، لا في الكتب المشهورة ، ولا الأجزاء المنثورة ، وقد عزاه بعضهم لـ ” مسند أحمد ” و” الطبراني ” و” كتاب الطواعين ” لابن أبي الدنيا ، ولا وجود لذلك في واحد منها .
قلت : والحديث في مسند أحمد ( 4 / 395 ، 413 ، 417 ) وكذا الطبراني في ” المعجم الصغير ” ( ص 71 ) والحاكم أيضا ( 1 / 50 ) من طرق عن أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ : ” الطاعون وخز أعدائكم من الجن ” .
صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .)إهـ
قلت : هو صحيح ، أما على شرط مسلم ، فلا ، فإن فيه عند الحاكم وكذا أحمد في بعض طرقه أبا بلج واسمه يحيى بن سليم وهو ثقة ، إلا أنه ليس من رجال مسلم ، وله عند أحمد طريق أخرى بسند صحيح أيضا ، وصححه الحافظ ، فهذا هو المحفوظ في الحديث : وخز أعدائكم ، وأما لفظ إخوانكم
فإنما هو في حديث آخر ، وهو قوله
صلى الله عليه وسلم : ” فلا تستنجوا بهما يعني العظم والبقر فإنهما طعام إخوانكم من الجن ” ، رواه مسلم وغيره انظر ” نيل الأو طار ” فكأنه اختلط على بعضهم هذا بالأول .
قال السيوطي في ” الحاوي ” : وأما تسميتهم إخوانا في حديث العظم ، فباعتبار الإيمان ، فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس ، وقد أطال الكلام على طرق الحديث وبيان أنه لا أصل لهذه اللفظة ” إخوانكم ” في شيء من طرقه الحافظ ابن حجر في كتابه القيم ” بذل الماعون في فضل الطاعون “
( ق 26 / 1 – 28 / 2 ) .إهـ
والحمد لله رب العالمين ..